ندخل باب الرئاسة غير آمنين. هذا مؤكد من أجواء المعركة المقيدة حتي الآن. اللحظة فارقة وخطرة لأنها خطوة سنخطوها إلي الأمام أو إلي الوراء، والتي سنختار فيها بين أحد طريقين: إما بدء طريق الثورة أو تأكيد استقرار النظام، الذي بذل الشباب أرواحهم ونور عيونهم من أجل إزاحته. وعلي الرغم من خطورة الموقف؛ فإننا دخلنا الموسم ضاحكين وهازلين بأكثر من اللازم؛ حيث صارت أخبار المرشحين البسطاء تتصدر الصحف والقنوات الفضائية، وصارت التغطيات التي تتعلق بملابس المرشح الفران أو توكتوك المرشح السائق أو لغة المرشح البقال تتنافس علي إضحاك جماهير الصحيفة و القناة التليفزيونية. ولأننا شعب متطير بطبعه؛ فإن الضحك المتواصل علامة شؤم أكيد، كثيرًا ما نتعوذ بالله بعد كل ضحك "خير اللهم اجعله خيرًا" وقد ضحكنا علي الظاهرة بما فيه الكفاية وعلينا أن نكون أوفياء لمعتقداتنا ونتخوف من هذا الضحك ونطوي الملف إلي ما هو أهم. لم نكن كلنا من الضاحكين في الحقيقة. الذين لم يضحكوا أعطوا الظاهرة اهتمامًا أكثر مما تستحق: لماذا يترشح هؤلاء؟ هل هي مؤامرة لتسخيف المنصب؟ هل هي طريقة لكي يقول الطرف الثالث انظروا إلي من يتطلعون لوراثة حسني مبارك؟ وكيف تدهورنا مع الثورة إلي حد أن يتطلع إلي حكمنا سائق توكتوك بعد سائق الطيارة؟! لا أعتقد أن الطرف الثالث لديه الوقت لمؤامرة صغيرة بهذا الحجم؛ فسارق البنك لا يمكن أن يسرق الغسيل أو ينشل في أتوبيس والقاتل بالرصاص لا يمكن أن يفكر في زحلقة ضحاياه علي قشرة موز. والإعلام بريء فيما أعتقد من تهمة التآمر لكنه غير بريء من الخفة ومحاولة التنافس علي حصة إعلامية بغير جهد أو كفاءة. غالبًا لا يستند هذا الزحام علي الترشح إلا إلي التخفيض الذي وقع علي منصب رئيس الجمهورية بخلع مبارك؛ حيث صار الرئيس أقل من إله. ولأن الرئاسة أصبحت وظيفة بشرية؛ فقد بات من حق كل إنسان أن يري في نفسه الكفاءة لشغلها، وأن يتوجه لسحب أوراق ترشيح، مثلما توجه في أيام الثورة الأولي لسحب أوراق التوظيف التي أعلن عنها النظام المتداعي في محاولة أخيرة لامتصاص الغضب. سحب الحالمون أوراق الوظيفة الوحيدة التي انطرحت بعد الثورة. ولن يكون الترشح مقبولاً إلا طبقًا للشروط التي حددها القانون. وعندما لا يجد سائق التوكتوك أو صاحب الورشة ثلاثين ألف مصري يقتنعون بجدارته سيكون إجراء سحبه للأوراق كأن لم يكن، وسيكتفي من محاولة قيادة مصر بالعودة إلي قيادة التوكتوك وتسلية الركاب بالقصة. لكننا سنكون قد استنفدنا قوانا في الضحك علي المرشح المحتمل المسكين، وسيكون الطرف الثالث قد استقر علي كرسي النسر. البسطاء الذين لا يجدون في حياتهم مجدًا يتطلعون إلي البقاء في ذاكرة الوجود من خلال الإنجاب: "عيل يشيل اسمي" حتي لو لم يكن لديهم ما ينفقونه علي الضحية التي يدفعون بها إلي الحياة؛ فلماذا لا يجربون إجراء أسهل ويعيشون أيامًا في حلم حكم مصر. والغريب أننا في غمرة الضحك أو التشكك والبحث عمن دفع بهؤلاء إلي الترشيح نسينا أن الظاهرة التي يقدمها الإعلام بوصفها عجبة والتي ينبري البعض لرفضها دفاعًا عن كرامة مصر الكرامة المحشورة في كل شيء هذه الظاهرة موجودة في كل الديمقراطيات؛ للأسباب نفسها التي جعلت خمسمائة مصري كادح يتوجهون لسحب الأوراق وربما لأسباب أكثر استنارة؛ فبعض الممثلين الكوميديين يعلنون ترشحهم كموقف من تفاهة السباق بين الكبار المتشابهين في البرامج، والبعض لديه كذلك جنون الشهرة والبعض لديه أحلام العظمة، بل إن الانتخابات الأمريكية تدخلها قطط وكلاب يرشحها أصحابها بدافع السخرية أو بدافع تخليد حيواناتهم المحبوبة! نحن لم نصل في هزلنا إلي هذه الدرجة؛ إذ لم نزل قريبي العهد بالتعرف علي بشرية الحاكم الجالس علي كرسي الفرعون الملك الإله. ربما سيمكننا الاطمئنان علي حريتنا عندما نري علي قوائم الرئاسة قططًا وكلابًا؛ فنعرف أننا اقتنعنا أخيرًا بأن المنصب عادي. وما يجب أن يهمنا الآن هو المعركة الحقيقية بين أصحاب الحظوظ المعقولة في النجاح، وعلينا أن نتأمل البرامج ونقارن بينها وأن نحاول قراءة التاريخ جيدًا، لكي يختار كل منا بجدية المرشح الذي يمكن أن يحقق مصالحه. علينا حقيقة أن نتكلم لغة العقل وأن يختار كل منا المرشح الذي يحقق مصالحه وسعادته علي هذه الأرض. يجب ألا ننخدع بمن يغني لحبيبته مصر، بل ينبغي بداية التشكك فيه، لأن كل من غنوا لها باعوها في أسواق النخاسة ولم يتحدث أحد عن كرامتها إلا وأهان هذه الكرامة. ويجب أن نتشكك فيمن يعدنا بالإصلاحات في آخرتنا؛ فكل منا يعرف طريقه إلي آخرته بنفسه، والمساعدة الدينية التي يمكن أن يحققها المرشح هي أن يجعل دنيانا أفضل، لأن الفقر يولد الكفر. الله والوطن للجميع وفوق الجميع. وعلينا أن نختار بعقل أين سنقف. والثورة التي قامت بفضل إعلام المواطن عبر مواقع التواصل الاجتماعي علي الإنترنت لن تقع فريسة الإعلام الجماهيري الرسمي وغير الرسمي الذي يترك الأساسي ويشغلنا بالفرعيات عن لؤم ربما أو عن جهالة غالبًا.