الطاغية.. له بريقه.. وهيبته.. وجلاله.. وهو الذي تمتد له الاعناق.. وتتهدل الشفاه.. وتفتديه الملايين الغفيرة بالارواح وتخلع عليه صفة حبيب الملايين.. وتنسج حول بطولته الأساطير. ولذلك كان من الطبيعي أن يتقدم المئات بأوراقهم للانتخابات الرئاسية.. بناء علي الصورة التي يحملها كل منهم للطاغية القادم وليست للرئيس القادم. الصورة الذهنية لدي الغالبية العظمي من المرشحين للانتخابات الرئاسية.. هي صورة حسني مبارك.. وهو يتهادي في مشيته.. متقدما صفوف زعماء العالم.. علي نحو الصورة التعبيرية الشهيرة.. وهو الزعيم الذي ولدت مصر.. يوم مولده.. وهو مهبط الساسة الذين يفدون اليه من اطراف الدنيا للاسترشاد بحكمته في ادارة شئون بلادهم.. وهو الذي لا يري المواقع في بلده.. الا أثناء الطلعات الجوية بالطائرات الهليكوبتر في الطريق من مصر الجديدة لشرم الشيخ. هذه الصورة الذهنية.. هي المشكلة التي سنظل نواجهها لسنوات طويلة قادمة.. وهي صورة الزعيم.. الطاغية.. الذي يقود البلاد وحده.. وبإشارة من سبابته.. وينتقل من منتجع لمنتجع.. بالداخل .. ناهيكم عن رحلات الخارج من اجل الداخل.. حيث تدق الدفوف والمزاهر التي تقلق راحة الاموات في مقابر »الخفير«. هذه الصورة الذهنية للزعيم الديكتاتور .. هي المشكلة التي ستظل تواجهنا لسنوات طويلة قادمة.. بعد ان ترسخ في وجدان الجماهير الغفيرة.. ان مصر هي دولة الحاكم الواحد.. البطل.. الاسطورة الذي يلقي الخطابات السياسية بين الجماهير ويهاجم زعماء الدول الكبري والعظمي وان هؤلاء الزعماء يصابون بالصدمة والاحباط.. ازاء هجوم الرئيس المصري.. ولا يستطيعون الرد عليه بسبب ضعف موقفهم.. وقلة حيلتهم. بيد ان اهم سلبيات هذه الصورة الذهنية تتمثل في ان الرئيس المصري يحكم منفردا.. وبلا مؤسسات.. ولا خبراء .. ولا شعب.. وتبدو هذه السلبية في التصريحات التي يدلي بها كل مرشح محتمل للانتخابات الرئاسية. مثلا.. قال المرشح الفريق احمد شفيق بعد تقديم اوراق ترشيحه انه سيحقق المعجزة ويحل مشاكل مصر خلال عام واحد!! هل هذا كلام؟ .. هل من المعقول ان تصدر مثل هذه التصريحات عن واحد من اقرب مساعدي ومستشاري حسني مبارك؟.. وكان قائدا لسلاح الطيران ثم وزيرا للطيران. المشكلة هنا.. هي الصورة الذهنية للرئيس المصري القادم. مثال آخر: قال اللص التائب محمد راشد »05 سنة« بعد ان قدم اوراق ترشحه انه سيعمل الي رفع مستوي محدودي الدخل وتطهير العشوائيات والغاء المعونة الأمريكية »!!« والاهتمام بالزراعة.. وقال انه كان يسطو علي اموال المسئولين بالدولة لاعتقاده.. بانها أموال حرام! وقال مرشح ثالث اسمه »ظاظا« ان الرسول صلي الله عليه وسلم هو الذي ايد ترشيحه للرئاسة.. وقال ان الرسول الكريم زاره في رؤيا حقيقية قائلا.. بأن سيدنا محمد وضع يده الشريفة علي كتف ظاظا لمؤازرته.. وانه عندما يتولي الرئاسة سيكون علي اتصال بالجماهير بشكل مباشر. وليس من خلال احد »!!«. وقال عمرو موسي.. انه يكفيه أربع سنوات فقط لحل جميع مشاكل مصر .. تصور!! والامثلة علي ما نقول لا تقع تحت حصر.. وتشير في مجملها الي ان الصورة الذهنية للرئيس المصري القادم.. هي صورة.. لما كانت عليه الاحوال طوال الستين سنة الاخيرة.. يضاف الي هذه الخصوصية المصرية.. تلك الثقافة السائدة في عالمنا العربي.. والتي تتلخص في اننا لا نختار حكامنا علي الاطلاق.. ولا نعرف الانتخابات الرئاسية لاختيار الرؤساء الذين توضع رقاب الشعوب وأموالها ومصائرها طوع اشارة منهم. لم يصل الحكام في عالمنا العربي لمواقعهم بالانتخابات.. وانما وصلوا برفع رايات النصر.. بعد ان ظهروا فجأة.. في انقلابات عسكرية وبلا سابق معرفة ولا بخبرات في شئون السياسة.. ولا بثقافة عامة بل وبلا دراية بشئون ادارة احوال البلاد.. التي استولوا عليها.. كل زعيم خرج بعد انقلاب عسكري.. كان اشبه بالقطة داخل جوال. واطاحت ثقافة الانقلابات والتربيطات بثقافة الانتخابات الرئاسية.. كما اطاحت بفكرة الخدمة العامة.. أي خدمة الاوطان.. وليس خدمة اصحاب المصالح الذين آلت اليهم السلطة وهكذا تحولت الجيوش العربية من جيوش تدافع عن الاوطان.. لجيوش تدافع عن الحكام.. لسبب بسيط.. هو اتفاق المصالح واقتسام المال العام بين القصور والثكنات العسكرية.. فعندما تدافع الجيوش العربية عن الحكام.. فهي في دافع الامر تدافع عن تربيطات ومصالح مشتركة.. وقد بدت هذه الحقيقة فيما نشهده هذه الايام في سوريا علي سبيل المثال.. ومن ثم قضت هذه التحالفات علي فكرة الانتخابات الرئاسية ومشاركة الشعوب في اختيار الحكام.. واصبحت الشعوب العربية بعد ثورات الربيع العربي.. تجتاز طرقا ومسالك وأساليب.. لأول مرة في تاريخها الحديث في محاولة لممارسة ادوار وطنية لم تعرفها من قبل.. اعود لموضوعنا فأقول.. انه الي جانب السلبيات التي تمثلت في عدم مشاركتنا في اختيار حكامنا.. فان استمرار النظام الاجرامي البائد فوق مقاعد السلطة لمدة تزيد عن 03 سنة.. اضاف المزيد من الاعباء علي الجهود المبذولة لاختيار رئيس الجمهورية الجديد. فنحن لا نجتاز تجربة فريدة فقط.. وانما نجتاز هذه التجربة في اجواء ثقافة اجرامية استمرت 03 سنة اهدرت خلالها فكرة الخدمة العامة.. وتلاشت مشاعر الوطنية بسبب البطالة.. وافواج الهجرة غير الشرعية.. وتدهو التعليم.. وانتشار العشوائيات.. والفوارق المذهلة بين الطبقات الخ.. بمعني اننا ورثنا.. الي جانب ما ورثناه من أوضاع اقتصادية متردية.. ورثنا ثقافة عبادة الفرد التي تطالعنا في تصريحات الغالبية العظمي من المرشحين للانتخابات الرئاسية.. ويكفي ان نلاحظ ان احدا من المرشحين لم يتقدم حتي كتابة هذه السطور.. ببرنامج انتخابي يمكن طرحة علي الرأي العام لاثراء الحوار.. والانتقال من ثقافة »الشخصنة« اي التركيز علي الشخص.. لثقافة »الموضوعية« وطرح الافكار حول سياسات اصلاح الاقتصاد.. وتوسيع الرقعة السكانية التي لا تزيد عن 6٪ من مساحة البلاد. بما يعني اننا نسير في الانتخابات الرئاسية.. علي نهج الانتخابات التي جرت طوال الثلاثين سنة الماضية.. في الوقت الذي يقتضي فيه الحال اختيار رئيس علي درجة عالية من الكفاءة والثقافة تسمح له بوضع الاساس لدولة المؤسسات التي تدار شئونها بمؤسسات.. ولا تعتمد علي عبادة الفرد.. وعلي شلة واصدقاء الرئيس.. الذين يوضعون تحت لافتة »اهل الثقة« و»زملاء السلاح«. ولذلك يبدو المشهد.. ونحن في الايام الاولي لاستقبال جحافل معركة الرئاسة.. لا يدعو لاحياء الامال في الوصول بالانتخابات الحرة النزيهة لاختيار رئيس منقذ.. وبطل قومي.. لا سيما ونحن لا نشعر بأن هذه الانتخابات تجري بعد ثورة شعبية جارفة اندلعت في 52 يناير الماضي.. لقد توارت الثورة.. وتراجع صداها وتأثيرها.. وعدنا نتحدث من جديد عن انتخابات رئاسية تجري علي نمط الانتخابات البرلمانية سنة 5002 وكأن الثورة لم تندلع.. وكأن جمال مبارك يدير المعركة من طرة.. الفرق بين انتخابات 5002 والانتخابات الرئاسية الحالية.. انه في سنة 5002 كانت الرشاوي الانتخابية لا تخرج عن اطار أكياس اللحوم والمواد التموينية والفلوس.. اما الان فان الرشوة المفضلة هي حبوب الفياجرا.. والشيكولاتة مما يشير الي اننا امام معركة رئاسية.. ساخنة جدا! هي مليونية.. رئاسية.. حقا!