مازال الغموض يحيط بملابسات الافراج عن المتهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي الذي استهدف اختراق سيادة مصر وأمنها القومي ومحاولة التأثير السلبي علي المواقف السياسية في الشارع المصري. لا أحد يعرف وبشكل حاسم أسباب تنحي قضاة المحكمة الذين تولوا أمر هذه القضية وكذلك قضاة التحقيق في أعقاب الاعلان عن امر قضائي بالافراج عن هؤلاء المتهمين المتورطين والذين لجأوا للسفارة الأمريكية لمنع أي اجراءات قضائية ضدهم. ان ما يثير الشكوك والجدل حول هذا الموضوع انه قد أتي بعد ضغوط شديدة وصلت إلي حد التهديدات من جانب واشنطن لمصر . تبع هذا الموقف بعد ذلك زيارة بعض الشخصيات الامريكية المدنية والعسكرية الذين كان في مقدمتهم السناتور ماكين المرشح السابق للرئاسة الامريكية والذي اجتمع برئيس المجلس العسكري المشير محمد حسين طنطاوي. وإذا كانت عملية الافراج قد تمت بغطاء قضائي كما يقال . فإن الأهم ان يثور هذا التساؤل الطبيعي علي الساحة المصرية بعد عملية الافراج والسماح بسفر المتهمين ولماذا اذن كانت عملية الشحن الشعبي لصالح محاكمة المتهمين الأجانب ودورهم في مخالفة القوانين المصرية؟! هل جاء ذلك نتيجة خطأ جهة ما وعدم تقدير صحيح للعواقب وهو ما يعني اننا اقدمنا علي عمل »لسنا قده« كما يقولون . وهل لم يكن هناك تقدير صحيح لتداعيات مثل هذا الاجراء علي استقلالية القضاء المصري ؟. الحقيقة انني أشعر بالشفقة والتعاطف مع موقفي رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري الذي سبق الاحداث عندما تورط أمام مجلس الشعب وأعلن وسط تصفيق حاد من الاعضاء المبجلين بأن مصر لن تركع للتهديدات.. كما تمتد هذه الشفقة وهذا التعاطف الي فايزة ابوالنجا وزيرة التعاون الدولي والمتحدثة باسم الحكومة التي أعلنت اكثر من مرة ادانتها لعمليات التمويل الأجنبي الذي يتنافي مع القوانين المصرية. لا جدال ان ما حدث لعملية الافراج لا يمكن وصفه سوي انه حرق لشخصيات حكومية محترمة وانه كان لابد من اعطاء فرصة للقضاء لاتخاذ ما يراه دون الاقدام علي هذا العمل الاحراجي الذي اكد ان الحكومة وجهازها التنفيذي كان اخر من يعلم بشأن تطورات القضية. الغريب.. هذه الضجة المثارة حاليا ومسرحها مجلس الشعب بأغلبيته الاسلامية ومن خلال اعضائه الليبراليين . لقد اعلنوا رفضهم للمعونة الامريكية وضرورة محاسبة المسئول عن سفر المتهمين الاجانب بما يعني ايضا ان المجلس مُغيب تماما عما جري . هذا الوضع امر مشكوك فيه باعتبار ان قرار الافراج حتي ولو كان قضائيا كان سيكون معلوما لقياداتهم بحكم التشاور الذي يمليه مبدأ ان الحكم للشعب الذي يمثله هذا المجلس ودون أي مساس باستقلالية القضاء. من ناحية اخري فقد كان من الصعب علي الدكتور الجنزوري رئيس الوزراء ان يمثل أمام المجلس ليتحدث عن هذه القضية حيث لم يكن امامه سوي تبرير ذلك بأن الموضوع أصبح قضائيا ولا يجب الخوض فيه! الدكتور سعد الكتاتني وانطلاقا من مسئوليته عن رئاسة المجلس التشريعي ادلي هو الاخر بدلوه في هذه الأزمة واصفا ما حدث بأنه صدمة واهانة لكل المصريين محملا ووفقا لما نشرته الصحف المجلس العسكري والحكومة وقضاة القضية المسئولية الكاملة! مرة اخري اقول: أين الحقيقة؟! لقد كنا نلوم علي النظام السابق انه يقوم باتخاذ القرارات دون أي تبرير أو توضيح للأسباب . وجاء قرار الافراج عن المتهمين في قضية التمويل الأجنبي علي نفس المنوال . وهنا يثور التساؤل: علي أي أساس كانت القضية إذن؟!