الضجة الشديدة الثائرة حاليا، حول الملابسات الخاصة بسفر المتهمين الأجانب، في قضية التمويل الأجنبي غير المشروع لبعض الجمعيات الأهلية، ومنظمات المجتمع المدني، وما صاحبها، ولا يزال، من انفعالات غاضبة ومستنكرة علي كافة المستويات السياسية والقضائية، ولدي كل المهتمين والمتابعين للشأن العام، هي رد فعل طبيعي، وتلقائي، نظرا لما نجم عنها من تصور لدي الكثيرين بأن هناك شبهة للتدخل في الشئون الداخلية، والمساس باستقلال القضاء . وقد وقعت هذه الشبهة نتيجة الضبابية وغيبة الشفافية التي احاطت بتنحي المحكمة ومفاجأة قرار السفر،...، وكان من الممكن أن يختلف الأمر كله، لو توافرت الشفافية، واعلنت الجهة القضائية المعنية بالقضية، مساء الثلاثاء الماضي، في بيان واضح عن تنحي هيئة المحكمة المكلفة بالقضية، عن نظر طلب رفع منع السفر بالنسبة للمتهمين الأجانب، الأمريكيين وغيرهم، وتحويل القضية الي دائرة اخري، وما تلا ذلك من قرار للمحكمة بإلغاء منع السفر،..، ولكن ذلك لم يحدث للأسف الشديد . وفي حالة صدور هذا البيان، من الجهة القضائية، كان من الضروري واللازم ايضا ان تقوم الجهة المسئولة في السلطة التنفيذية، سواء في وزارة العدل، أو الخارجية، أو غيرهما، بالاعلان في بيان اخر، عن انه بناء علي قرار المحكمة الغاء منع السفر بالنسبة للمتهمين الأجانب، فإنهم سوف يغادرون البلاد، مع بقائهم متهمين في القضية، وأيضا الاعلان عن موعد مغادرتهم، سواء علي طائرة خاصة أو غيرها من وسائل النقل،..، ولكن ذلك لم يحدث أيضا . لم يحدث هذا ولا ذاك، رغم انه كان يجب ان يحدث لأسباب عديدة، يأتي علي رأسها أن القضية حظيت بإهتمام بالغ من جموع المواطنين في مصر، والكل كان متابعا لتطوراتها وما يستجد فيها، بالاضافة الي ان هناك اهتماما دوليا كبيرا بها، نظرا لا رتباطها في شقها السياسي بالعلاقات المصرية الأمريكية وما شابها من توتر، كاد ان يصل الي مستوي الأزمة، ان لم يكن قد وصل اليها بالفعل . ولكن الأكثر أهمية من ذلك، هو ان ذلك لو حدث في وقته وزمانه مساء الثلاثاء، أو حتي صباح الأربعاء الماضيين، لتجنبنا الكثير من الانفعال والغضب، وردود الأفعال المستنكرة، ولتجنبنا الكثير من الاتهامات المتناثرة من جهات عدة، كل منها يحاول التنصل مما حدث ويحاول القاء تبعته علي غيره،..، ولو حدث ذلك لتجنبنا أيضا شبهة المساس بكرامة مصر، ولكن ذلك لم يحدث للأسف . ونواصل غداً إن شاء الله.