دور العبادة في العالم لم تتوقف عند العبادة فقط.. بل منذ قرون وقد تحولت إلي مؤسسات للرعاية الإجتماعية والصحية والثقافية والتعليمية، كما تحظي دور العبادة لمنظومة متكاملة لأعمال الفنانين سواء أكان ذلك في الكنيسة أو في المسجد، وفي معظم الأحيان تنعكس الديانة علي مجمل هذه الإبداعات، وتاريخ الإنسانية مضيء بأعمال فنية رائدة في كبري الكنائس كلوحة القيامة لميكل أنجلو ورفاييلو ودافنشي وغيرهم الكثيرين، ولذا فتحت الكنائس أبوابها للعامة كمزار ثقافي إبداعي ديني، وكذلك المساجد، وأذكر هنا مثالين صارخين لجامع السلطان حسن بالقاهرة وكنيسة برشلونة بأسبانيا التي صممها المعماري جاودي التي أذهلت العالم، وفي هذا السياق وجه القس يوسف ثابت دعوة للناقد الفني المتميز محمد كمال لاقامة ندوة وورش فنية للأطفال في كنيسة العذراء والقديس يوسف بسموحة بالإسكندرية، يومي 9 ، 01 فبراير الماضيين، وبعد التشاور حول تسمية هذه الأنشطة فاتفقا علي تسميتها (عيون مصر) تضامناً مع كل الشهداء والمصابين الذين فقدوا عيونهم في ميادين ثورة 52 يناير 1102، إضافة إلي تسمية ورش الأطفال (زهوة الثورة) في إشارة الي مستقبل الثورة الثقافية في مصر والذي يعتمد علي بناء أجيال جديدة تعرف القدر الحقيقي للوطن، أما عنوان الندوة فكان (العقيدة والإبداع في التاريخ المصري) للتعريف بالسمة التوحيدية للحضارة المصرية قديماً وحديثاً، وصلتها بفنون النحت والرسم والتصوير، وتأتي هذه المبادرة من القس يوسف والتي تحققت علي أرض الواقع ومن خلال قراءتي لمقال محمد كمال علي (Face book) وتأملت كما من الصور لتوثيق هذه الحالة المتكاملة من الزهو والإنصهار وإستدعاء طاقة الإبداع من براعم المستقبل، الثورة كشفت القصور والإهمال والفساد الذي تسببت الدولة فيه وغيبت العقول ومحت الشعور بالانتماء للوطن.. والآن مصر في أشد الحاجة إلي برنامج قومي أو مشروعاً نهضوياً لثقافة الوطن يشارك في كل المؤسسات وتصبح وزارة الثقافة المرجعية الأصيلة والمنسق العام بين مؤسسات الدولة، ولا يمكن أن تتقدم مصر بدون إمتلاك المواطن الحد الادني من الثقافة العامة، فهي السبيل الوحيد للمشاركة المستنيرة لإحداث نهضة مصرية حقيقية، ويقول محمد كمال (... أسئلة كثيرة وإجابات غزيرة اتسمت بالوعي من أبناء سلالة حضارية عتيدة، بما جعل الحوار ينتهي إلي أن الإسكندرية مصرية وأطفالها من الذهب والمرجان.. لذا فقد إنطلقوا بكل رصيدهم المعرفي وزادهم الإبداعي الفطري إلي مزاجيتهم ومسطحاتهم الورقية وألوانهم الإكريليكية، ليختزلوا كل ما دار عبر العصف الذهني والشحن الوجداني والروحي إلي تصاوير ناطقة برصيد بلادهم الإبداعي، وقد حرصنا أثناء الورشة علي هدم سواتر الخوف الكامن في أنفسهم،..) وشهدت الكنيسة في المساء الندوة المتفق عليها وموضوعها (العقيدة والإبداع في التاريخ)، والتي شهدت حواراً ساخناً كاشفاً كان أبرز ما فيه الخوف من التطرف الديني الزاحف علي مصر كالأفعي السامة....، هذا النشاط الفاعل نموذج رائع ويستوجب بل يفرض علي الهيئة العامة لقصور الثقافة بتفعيل هذا النموذج في جميع محافظات مصر بالكنائس وبيوت الثقافة وقصورها والمصانع والمدارس والمساجد التي توجد بها مؤسسات ثقافية وإجتماعية والجامعات، ونهر الفن طرح منذ سنوات أفكاراً ورؤي حول التنمية البشرية بالمجتمع وعلاقتها بالمشاركة والتقدم وهذا النموذج للانشطة للناقد محمد كمال ليس الاول بل له مساهمات كثيرة مع اتوبيس الفن الجميل والهيئة العامة لقصور الثقافة والآن مع قطاع الفنون التشكيلية وجمعية محبي الفنون الجميلة، تحية تقدير وإعزاز من نهر الفن للقس يوسف ثابت والناقد الفني محمد كمال.