رجاء النمر امسكت بالقضبان الحديدية، فاذا بها في ملمس الحرير ورقته، وخفته.. هتفت بداخلي، ماذا دهاك ايتها القضبان؟ لماذا لان الحديد الي هذا الحد؟ لماذا اصبح طائرا كلما نفخت فيه أنفاسي؟. صرخت بصوت لم يسمعه احد، لكنه شق صدري ماذا اذا حاول احدهم ان يدخل القفص الحديدي الذي اختبيء فيه من الناس؟ ماذا لو علم احدهم ان القضبان الحديدية السميكة ذات الملمس الخشن الجارح احيانا صار حريريا؟، وانه يستطيع ان يصل الي بسهولة وينالني؟. ارتطم رأسي بالحائط في حركة فجائية اوجعت رأسي، وشعرت بخيط من الدم يمشي في شعري وقفاي وكأن احدا دفعني الي الحائط بقوة فلم احتمل قوته. افقت علي صدمتي من هذه القضبان.. من الذي غيرها؟ ومتي؟ ولماذا؟ ومن يريد ان يصل الي؟. فوجئت بالاجابة تخرج »بسرعة« من الداخل.. أجل، انهم كثيرون يريدون دفعك دفعة لا تجرح رأسك فقط، ربما تكسرها.. وربما لا تنجو منها حتي في المستشفي. فجأة اتسعت عيناي وهتفت بصوت كمن يكلم نفسه طوال الوقت.. انها الحل.. لماذا لا أكون داخل المستشفي، حيث يكون كل شيء في امان.. حتي أنا. صرخت بأعلي صوتي حتي يسمعني سجاني من وراء القضبان الحريرية والابواب الموصدة. هرع الي ضباط واخرون ممن يحرسونني.. المهم.. الدنيا انقلبت حولي.. طلبوا الطبيب الذي حضر مسرعا.. نظر في عيني.. ووضع السماعة فوق قلبي، ثم قال: ربما أكون محتاجا الي سيارة اسعاف ومستشفي. بعد فترة وجيزة انطلقت بي سيارة اسعاف مجهزة ومعي الطبيب.. وأخذ صفيرها يشعرني بالأمان. دلفت علي سرير »نقالة« الي المستشفي.. ويومها فقط نمت كما لم انم مز دخلت دوامة الحبس والاحتياطي وتجديد الحبس.. وهأنذا.. أدخل المستشفي فلن يصل الي سوي الطبيب او الممرضة او الضابط.. اما الحراسة فهي اربع وعشرون ساعة امام الغرفة، واختفت ايضا القضبان الحريرية. في اليوم الثاني بالمستشفي بدأت انتفض كلما دخل الحجرة طبيب او ممرضة او عامل النظافة.. قرأت في عيونهم نظرات غدر. استيقظت يوما علي عامل النظافة يرفع عبوة حديدية فوق رأسي، وعندما انتبهت وجدتها عبوة لتلميع بعض الاجهزة والسرير والكراسي. وفي ليل يوم امتلأت فيه الاجواء بأصوات صفير الهواء محدثا صوتا مخيفا، كأننا في بيت للاشباح.. وبمجرد ان اغمضت عيني، صرخت بصوت محشرج بسبب الممرضة الواقفة امام السرير وبيدها سرنجة مملؤة بالدم، قالت انه عينة للتحليل.. اما انا فقد ايقظني هذا المنظر يومين كاملين. اما الطبيب فقد شعرت به اياما كثيرة يطبق بيديه حول رقبتي اثناء الكشف، او يضع فوطة بيضاء ملفوفة »كحبل« حول عنقي، واصبحت اخشي النوم او الغفوة ولو دقيقة. اكتشفت ان المستشفي لا يقل ابدا عن القضبان الحريرية.. اصبحت اخشي الاثنين.. وتولد لدي يقين ان احدهم سيصل الي وينال مني. وبين القضبان الحريرية والمستشفي اصبحت اقضي اوقاتي.. اخشي كل شيء واي شيء.. اخشي كل الناس. لم يعد لدي هم او عمل سوي الانتظار والتوقع.. ماذا سيكون الحكم؟ هل داخل المستشفي ام سيكون وراء القضبان الحريرية؟. (مذكرات محبوس في انتظار النطق بالحكم).