جمال الغيطانى لكم تمنيت أن أري محمد البساطي لحظات إبداعه هذه القطع الشعرية المصاغة نثرا في مجموعته الصادرة عن روايات الهلال الأسبوع الماضي، »فراشات صغيرة«، لابد أنه كان يمسك أنفاسه، ويستقطر رحيق حياته، يحول ماضيه إلي ألوان الفراشات الرهيفة عندما تسبح في الضوء الشفقي، تبدو المجموعة بقصصها الخمس عشرة وكأنها قصص منفصلة، لكنها عندما تقرأ تبدو لوحات في معرض الحياة، لن نجد وصفا مفصلا، أو أفكارا مشروحة، أو تأملات موغلاً في أعماقها، إنه سرد يبدو بسيطا، بل أحيانا يغلب الحوار المكتوب بعامية كما نجد في »الحارس« و»حديث فوق السطح« حيث ثرثرة صباحية بين سكينة ونفيسة الجارتين. اسكتي.. اللي سمعته، سمعت النهاردة - إيه؟ - الجدع اللي بيشتغل اخصائي في المركز الاجتماعي، بيته علي شط الترعة، وبابه من ناحيتها، شوفته مرة وأنا ماشيه هناك، حليوة، وشه ابيض وعينه زي ما يكون فيها كحل، وشعر راسه بيلمع وبدلته نظيفة مفيش وسخ ولا تراب. يكاد القارئ يرهف الحواس ويتابع رحلة عزيزة مع طفلها الرضيع بعد أن هجت علي وجهها أثر اكتشافها زواج رجلها من أخري، لا مأوي لها إلا الزاوية الصغيرة، لا أهل ، لا سكن، لا إطار هكذا معظم شخصيات البساطي الملتقطة بين محبة للإنسان، حدوبة عليه، متعاطفة معه هذه العلاقة بين اثنين معتقلين في السجن السياسي من خلال قطعة مرآة، التواصل الإنساني عبر المستحيل.. أما القصة الإنسانية بحق فذلك الرضيع الذي يحبو من بيت إلي بيت، من حارة إلي حارة، جائع فترضعه سيدة من ثديها الذي يدر لبنا لابنها، ويختتم البساطي القصة بهدوء فاجع راح يحبو مبتعدا، جرت القطة لتلحق به ولقمة العيش في فمها، وقبل نهاية الحارية دخل حارة أخري جانبية، هكذا يختفي الرضيع عن ابصارنا ولا يختفي من عقولنا وأرواحنا، يعرف البساطي كيف يصف وكيف يحكي كأنه يرسم وكيف يتأمل كأنه يعزف ويعرف اين يتوقف ليتركنا حياري متسائلين بهدوء وقدرته علي صياغة المواقف من الضوء واصداء الهمس، لذلك قلنا في البداية، لكم تمنيت رؤيته لحظة ابداعه، لكي اغني محبة واجلالا لأديب عظيم يعيش بيننا ويبدع في صمت أثيري.