سبحان الله.. الذين عاشوا عمرهم يهاجمون ثورة يوليو ويتهمون جمال عبد الناصر بأنه بدد ثروة مصر في مغامرات افريقية وعربية هم الذين يتحسرون اليوم علي أيام كانت القاهرة هي كعبة الأحرار العرب والأفارقة ، و كان قرارها هو القرار الذي تنتظره شعوب المنطقة ، و كان انحيازها لحق هذه الشعوب في الاستقلال والحرية هو جسر المودة الذي ربط بين هذه الشعوب وقادتها و بين القاهرة التي حملت لواء العروبة و تحملت بكل صدق مسئوليتها تجاه الأشقاء في إفريقيا . سبحان الله.. الذين عاشوا يقتاتون علي فضلات الدعاية الاستعمارية المسمومة التي كانت - ومازالت - تريد حصار مصر ، يدركون الآن حجم الخطأ الذي وقعت فيه مصر بعد ذلك حين تخلت عن دورها في إفريقيا ، و أهملت مصالحها في القارة السمراء، وتركت إسرائيل وغير إسرائيل تلعب في مسرح خال ، وتتآمر علي عصب الحياة لمصر القادم من مياه النيل ، و تحاول زرع الكراهية في إفريقيا لكل ما هو عربي ، وتضع العراقيل أمام محاولات مصر في السنوات الأخيرة لإصلاح الخلل و مواجهة الأخطار. الآن .. و نحن نواجه أخطر أزمات الحاضر و المستقبل مع تفجر قضية مياه النيل ، يقف الجميع أمام الحقيقة، حين يأتي رئيس وزراء كينيا ( أحد دول منابع النيل أطراف الأزمة ) برسالة تهدئة تفتح الباب لاستئناف التفاوض بحثاً عن حلول مرضية لكل الأطراف ، و تّكتشف " القاهرة أن الرجل عاش في صباه سنوات في حي الزمالك مع والده المناضل ضد الاستعمار ، و ليقول رايلا أودنجا رئيس وزراء كينيا إنه لا يمكن أن يفكر بالإضرار لمصر لأنه عاشق لها و لأن والده كان صديقا لعبد الناصر حين كانت كينيا تقاتل من أجل استقلالها ، وأنه لا ينسي كيف منحت مصر أباه جواز سفر مصرياً حين قام الاستعمار البريطاني بسحب جوازه ، و لهذا كله - يقول رئيس وزراء كينيا - أنا مدين لمصر و لشعبها وللرئيس جمال عبد الناصر. "لم يكن اودنجا وحده ، بل كان كل زعماء كينيا وعلي رأسهم جومو كينياتا يلقون دعم القاهرة . ولم تكن كينيا استثناء بل كانت كل دول إفريقيا المقاتلة من أجل حريتها تلقي دعم مصر رغم الضغوط و رغم قلة الإمكانيات . كانت مصر تنطلق من رؤية استراتيجية تدرك أنها لا تستطيع أن تقف موقف المتفرج علي ما يجري في إفريقيا ، لأنها جزء من هذا الصراع ، ولأن أمنها و استقرارها و مصالحها و نقطة المياه التي تشربها .. كلها مرتبط بما يجري من صراعات تخوضها شعوب إفريقيا من أجل استقلالها وتقدمها . و ليس هذا حديثاً عن الماضي ، ولكنه حديث الحاضر و المستقبل .. صحيح أننا بددنا بعض هذا الميراث العظيم الذي صنعناه ذات يوم مع شعوب إفريقيا في أوقاتها الصعبة وهي تناضل من اجل التحرر ، ثم وهي تسعي لبناء دول تركها الاستعمار وهي تحت الصفر.. ولكن ما تبقي من الميراث ليس قليلا، وما أمامنا من فرص للبناء عليها ليس محدوداً . و لكن الأمور لا ينبغي أن تظل رهناً بانفجار أزمة خطيرة نتحرك بعدها ، أو بجهود مسئول هنا أو هناك سرعان ما يجهضها أصحاب المصالح ولو علي حساب مصر كما حدث في اتفاقيات اقتصادية و تجارية سابقة مع دول إفريقيا !! إن ملف النيل سيظل مفتوحاً لسنوات ، ولن يكون الحل في النهاية إلا ببرنامج مشترك لتنمية الموارد المائية لصالح دول حوض النيل ، وإلا ببرنامج للتنمية الشاملة، وإلا بعلاقات تجهض محاولات التحريض و تتغلب علي الحساسيات خاصة مع إثيوبيا وهي المحور الأساسي في المشكلة حيث يأتي منها 85 ٪ من مياه النيل التي تصل السودان ومصر. وإذا كان التفاهم مع باقي دول حوض النيل أمر ممكن ومطلوب بسرعة علي قاعدة التعاون المشترك، فإن الوصول إلي تفاهمات مع إثيوبيا قد يكون صعباً ولكنه ليس مستحيلاً ، فالقضية في النهاية ليست قلة الموارد المائية في دول حوض النيل ولكنها قضية منع إهدار هذه الموارد وإقامة المشروعات التي يمكن أن توفر احتياجات الجميع وتوفير التمويل اللازم لها عربياً أولا ثم دولياً . و لعل دخول الجامعة العربية علي الخط (ممثلة في أمينها العام عمرو موسي ) يفتح الباب لمهمة أساسية يتم من خلالها دعم مصر و السودان من أجل أن يكونا الجسر بين الدول العربية ودول حوض النيل بدلاً من الجري وراء مشروعات منفردة لا تحقق الكثير لأي من الأطراف !! نعم .. لدينا أسانيد قانونية ، و حقوق تاريخية ، و إثيوبيا - قبل غيرها - تعرف أن نقض الاتفاقيات السابقة يفتح باب جهنم عليها و علي إفريقيا كلها التي كانت قد اتفقت علي عدم المساس بحدود الدول التي رسمها الاستعمار حتي لا تغرق القارة السمراء كلها في حروب لا نهاية لها . و مع ذلك فلابد من التصرف دون استفزاز و بكل مسئولية للوصول إلي تفاهمات لا تهدر الحقوق و لا تشعل نيران الخلاف. لقد انفتح الملف ، و نحن لسنا أمام أزمة طارئة يتم حلها و ينتهي الأمر ، بل أمام قضية سنظل في مواجهتها لعشرات السنين ، و المطلوب من جانبنا حشد كل الجهود والإمكانيات ، و قبل ذلك امتلاك الرؤية الشاملة للتعامل مع دول حوض النيل ثم مع دول إفريقيا ، ثم إدارة هذا الملف من خلال رئاسة الجمهورية مباشرة ، و بالاستعانة بكل الكفاءات القادرة علي رسم سياسة مصر في هذا الملف الخطير ، تفعيل كل الأوراق التي نملكها في هذا السبيل بدءاً من الأزهر والكنيسة المصرية والجامعات التي ينبغي أن نفتحها أمام أبناء إفريقيا ، وحتي المشروعات المشتركة والتعاون الاقتصادي. ولننطلق من أن القاهرة التي كانت قبل خمسين عاماً تحتضن قادة إفريقيا و هم يقودون شعوبهم نحو الحرية والاستقلال ، لابد أن تحتضنهم اليوم لتخوض معهم معركة التنمية و التقدم لخير الجميع ، و لقطع الطريق علي الثعابين التي استغلت سنوات الغياب لتنفث بسمومها ضد مصر علي امتداد نهر النيل العظيم . آخر كلام أخيرا .. مخالفات منتجع السليمانية رهن التحقيق لتفتح ملف الأرض التي تم نهبها من الدولة بخمسين جنيها للفدان بغرض الاستصلاح الزراعي لتتحول إلي منتجعات سكنية فاخرة يباع فيها المتر بآلاف الجنيهات ، و يصل سعر الفدان إلي مليونين من الجنيهات تدخل في جيوب القلة المحظوظة الذين توزع عليهم أراضي الدولة من شرق السويس إلي الساحل الشمالي و ما بينهما !! والسؤال هو هل هي البداية أم النهاية ؟ و هل سيحول ملف الأراضي المنهوبة كله إلي التحقيق و يخضع للمحاسبة ؟ و هل ستعود أموال الدولة المنهوبة كاملة أم ستنجح محاولات أصحاب النفوذ لإغلاق الملف و تسوية الأمر بعيداً عن التحقيقات بدفع بضعة آلاف من الجنيهات عن كل فدان علي سبيل الغرامة ، مع كورال إعلامي يغني بكل حماس : الصلح خير .. و بنتصالح !! عرض اتحاد الكرة إقامة دورة بين دول حوض النيل لخلق أجواء ودية . سايق عليكم النبي بلاش .. فملف الجزائر لم يغلق بعد !! علينا أن نحمد الله إذا وجدنا في أرشيف التلفزيون الغنائي شيئاً له قيمة . فالسيدة التي يحققون معها في واقعة بيع جزء هام من التسجيلات الغنائية النادرة لمحطة " روتانا " بأسعار لا مثيل لضآلتها ، تقول إنها باعت بقرار منها ، وبدون رقابة ، و أن هذه هي صلاحياتها .. أي أنها كانت تستطيع بيع كل ما يملكه التلفزيون من تسجيلات ، و بالأسعار التي يحددها السماسرة !!