بين عامي 2791 و5791 قضيت ثلاث سنوات في خدمة الوطن، جندي مؤهلات عليا، ولم اعتقد يوما انني فعلت إلا الواجب شأني شأن الملايين ممن أدوا واجبهم تجاه الوطن. خاضوا حرب اكتوبر مثلما خاضوا من قبل كل الحروب، واستشهد من استشهد، وجرح واصيب من جرح واصيب، ولم يفعل كل هؤلاء إلا الواجب. اظن ان كل اسرة تضم اكثر من مجند، وتربينا - ليس جيلي فقط بل كل المصريين فيما اعتقد - علي ان الجندية مهما كانت قاسية، إلا انها في النهاية شرف وواجب وحق للوطن علينا، والمعروف ان المجندين هم عماد الجيش الاساسي سواء كانوا جنودا أو ضباط احتياط بينما المحترفون أقلية. ومنذ قيام محمد علي باشا بتجنيد المصريين للمرة الاولي في اوائل القرن التاسع عشر، والمصريون يدفعون الثمن راضين، ويقدمون ابناءهم عن طيب خاطر للتجنيد ليتدربوا علي الدفاع عن الوطن. اسوق هذه المقدمة الطويلة، وانا اعلم جيدا ان السطور السابقة تحصيل حاصل، واي مواطن يمكن ان يكتب مثل هذا الكلام، لكنني اكتبها متعمدا لافصل تماما بين الجيش الذي خدمنا فيه من ناحية، وبين المجلس العسكري الذي يحكم البلاد منذ 11 فبراير وحتي الآن. والمصريون عندما قاموا بالثورة رحبوا بحكم المجلس خصوصا بعد البيانات المتتالية حول انحيازه للثورة والشعب المصري العظيم، وبعد ان ادي احد الجنرالات التحية للشهيد وتبين فيما بعد ان هذا خروج عن النص، قام به اللواء الرويني علي مسئوليته الشخصية ولم يكن متفقا عليه! ولاشك اننا نتذكر جيدا صورنا - نحن المصريين - بين جنازير الدبابات أو صور نسائنا وهن يناولن اطفالهن الرضع للجنود المعتلين دباباتهم، وانا - مثل غيري - هتفت وجرأت بالصراخ: الجيش والشعب إيد واحدة! أليس هذا هو ما جري؟! وفيما بعد كنا نتغاضي ونغمض عيوننا عما حدث في الفناء الخلفي للمتحف المصري من تعذيب واهانة »هل تذكرون صيحة الضابط لشباب الثورة من الجرحي والمضروبين: اركع كله علي ركبه!.. وفيما بعد ايضا أغمضنا عيوننا بعد موقعة 9 مارس عندما ارتكب المجلس خطيئته الاولي واعتدي علي الثوار، واكتفينا بتوضيحه عبر بيان رسمي: نأسف ورصيدنا لديكم يسمح! ثم توالت الاخطاء والخطايا والكوارث، وسقط عشرات الشهداء وآلاف الجرحي والمصابين نتيجة الاعتداء الآثم سواء من جنود الجيش »المؤتمرين بأمر المجلس« أو من قوات وزارة الداخلية »المؤتمرة ايضا بامر المجلس«، هذا بالطبع الي جانب العك والتخبط مثل السماح بقيام احزاب سياسية علي اساس ديني، واجراء الاستفتاء قبل الدستور، ثم خرق هذا الاستفتاء، وكذلك اجراء انتخابات البرلمان بكل ما اصابها من عوار، سواء في قانونها وتوقيتاتها واخطائها وخطاياها، كل هذا بينما الرئيس المخلوع ونجلاه واركان حكمه يتمخترون ويتدللون دون كلابشات بل يركبون الطائرات ويرتدون افخم الملابس البيضاء ذات الماركات العالمية. لا اريد ان استطرد طويلا فحتي الآن تتوالي الازمات الخانقة: البوتاجاز والبنزين والانفلات الامني المتعمد، وحتي الآن لم يتم تطهير الداخلية والقضاء والجهاز المركزي للمحاسبات وغيرها وغيرها. والحال ان المجلس العسكري - وهو مجلس عينه مبارك - وهو ايضا ليس الجيش الذي خدمنا فيه، فشل تماما في ادارة الفترة الانتقالية وارتكب كوارث واخطاء بالغة الخطورة، وهو ايضا المسئول عن اننا اصبحنا نقول: العسكر والشرطة العسكرية، ونهتف بسقوط حكمه، ونسعي لازالته من الحكم. والمؤكد ان المجلس »الذي عينه مبارك مرة اخري!« كان يهدف الي الحفاظ علي نظام مبارك والدفاع عنه حتي لو اضطر لقتل وجرح وحبس الثوار كما حدث بالفعل، ولذلك لم يقدم المخلوع للمحاكمة إلا عندما اوشكت الامور علي الانفجار: مظاهرات، ومسيرات واحتجاجات واعتصامات في كل ارجاء بلادنا تطالب بمحاكمته، اي انه ظل يدافع عن مبارك، ومازال حتي الآن وفي المستقبل. المجلس لم يفهم بعد ان الشعب المصري قام بثورة علي كامل النظام الجاثم علي نفوسنا، ثورة.. وليس مجرد وقف التوريث، ثورة من اجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وليس من اجل إلقاء مبارك واركان حكمه في ما يشبه السجن الخمس نجوم. واذا كان المجلس علي مدي عام كامل قد فشل في ادارة الفترة الانتقالية، فإن واجبه بل وشرف الجندية ذاتها، يتطلب ان يتنحي عن الحكم فورا. ليس عيبا انه فشل فادارة البلاد ليس مهنته وشغله الوحيد في الثكنات ولا سبيل للعبور من هذه الكارثة إلا بتسليمه السلطة لمدنيين. من الممكن التوافق بسهولة شديدة بين مختلف التيارات علي كيفية تسليم السلطة، وهناك بالفعل عدد من المبادرات المتماسكة علي رأسها مبادرة حركة »مصرنا« وقوي الثورة جاهزة لتسليم السلطة، وعلي الاخوان المسلمين والسلفيين ان يتقوا الله بعد ان وضحت اتفاقاتهم وصفقاتهم مع المجلس من اجل ان يقتنصوا الفرصة لحكم بلادنا وسرقة الثورة. لا حل إلا الرحيل وتسليم السلطة للمدنيين، اما الشهداء والمصابون فلن ننساهم مطلقا، ولكن بعد رحيل المجلس.