هل تعرفون المجلس؟! كيف يمكن أن تُحكم مصر من مجلس لا يعرفه أحد ويحمله البعض خطايا، ويقدسه بعض آخر دون أن نعرف مَن هؤلاء الذين يسمون: المجلس. المجلس لا يعرف السياسة.. يعرف الحكم على طريقة «الترويض». وهذا على ما يبدو هو سر الخلل الذي عاشته مصر بعد إجبار مبارك على الرحيل من مقعده الذي أحبه والتصق به، ومن أجله كاد يضحي بالبلد كله. المجلس يريد السيطرة وهذا نوع من إدارة تصلح للثكنات العسكرية، لكن دولة متعددة، انتصر ثوارها على الديكتاتور وأجبروه على إنهاء أحلامه وأحلام عائلته بالخلود في السلطة، شيء آخر. هل هذا هو سبب انفلات أعصاب المجلس الذي ظهر بكامل وضوحه على اللواء الفنجري وهو يلقي بيان الأمس. اللواء الفنجري له شعبية منذ أن توقف عن إلقاء بيان تسلم الجيش السلطة ليلقي التحية للشهداء الذين قتلهم نظام مبارك تحت مسمى أنهم «قلة مندسة» و«عناصر مشاغبة». المجلس يفعل ما كان يفعله مبارك بالمسطرة. يقسّم مصر إلى شرفاء وغير شرفاء.. بمعايير الطاعة للأوامر. لا يعرف الجيش أن الخلاف في الرأي عادي في الدول الديمقراطية الحديثة، وليس لهذا علاقة بالشرف أو حب مصر.. من أعطى الحق للمجلس في تصنيف مصر على مقاييس الأوامر الميري؟! ولماذا يحب المجلس الثوار فقط عندما يتحولون إلى شهداء أو يجلسون على مفاوضات تحت رعايته ليسمعوا الكلام؟ اللواء الفنجري كان عصبيّا وهو يلقي بيان المجلس، واستخدم فيه نفس طريقته في توجيه الأوامر لكتيبته في الجيش، متناسيا المسافة بين المزاج المدني والطبيعة العسكرية، معتمدا على شعبيته، تخيل أنه في معركة. معركة ضد مَن؟ البيان منعطف جديد في علاقة الثورة بالجيش. الجيش مولود في رحم دولة قمعية، وعقيدته مبنية على قهر الشخص لصالح الهدف الكبير. الثورة أرادت أن يقوم الجيش بفتح كل صناديق النظام المغلقة، والتنقيب عن الجزء المدفون من التمساح لحرقه، هكذا في 150 يوما فقط أرادت الثورة معجزة التحول في الجيش من مؤسسة تمثل قلب النظام إلى كيان ثوري يهدم ويبني، وفق هندسة «العيال بتوع التحرير». الجيش اختبر قوة «الميدان» وحاول استيعابها، وفق تركيبة محافظة، لا تتخلى بسهولة عن الوصاية الأبوية على الدولة والشعب. وصاية لا تبغي الحكم المباشر، كما يتوقع المتشائمون، ولا تسعى إلى تثوير الدولة كما يتمنى عشاق «الكاكي» ونواته الصلبة. الجيش يريد لعب دور تاريخي، ليبقى في مكانته، ويحافظ على مصالح المؤسسة، وفي نفس الوقت يريد السيطرة، وهنا تظهر شراسته، شراسة ليست خبيرة في التعامل مع المزاج المدني، ولا محترفة في قمع الخروج عن التعليمات. الجيش اختار العودة إلى طريقة مبارك في الحصار النفسي على الثوار ليبدو وكأنهم قلة في مواجهة الأغلبية، ويهددهم ويرعبهم ويدير صفقات. استعان الجيش بالطهاة غير المتفرغين في نظام مبارك مثل الدكتور يحيى الجمل، وهم من أشاروا عليه بالخطوات التي تورطه كلما حاول الخروج من مأزق. الجيش لا يريد الاعتراف بالفشل، وعلى العكس يريد من الثورة أن ترى ما فعله نجاحا وانتصارا. يعتمد الجيش على رديف الكومبارس في عصر مبارك فتصبح مهمة صياغة تعديلات على الإعلان الدستوري لشخص لعب دور حجز أماكن في عصر مبارك بإعلانه عن حزب كارتوني، وحديثه دائما باسم المعارضة، والوقوف أمام الشاشات ليغني مدائح مبارك وأشبال نظامه. لماذا لا يعترف المجلس بأنه لا يعرف مصر؟! لماذا لا يعترف المجلس بالأخطاء بدلا من التكشير عن الأنياب والشخط والنطر في وجه ثورة ابتسمت وهي تُقتل من الرئيس، فضلا عن أرواح راهنت على المستقبل ودفعت من أجله الدم الغالي. هناك فارق سرعات بين الثورة والجيش.. وهذا ما يجعل التصادم ممكنا وفي أي لحظة.