أكثر شهور العام كراهية إلى قلبي هو شهر يونيو، ليس فقط لانه يعد بدايه الصيف الذي لا اطيقه ابدا.. ولكن الاهم ان اخطر ازمه واجهتنا في تاريخنا الحديث كانت في يونيو عام 67 . عوامل كثيرة واخفاقات استراتيجية واستخفاف بقدرات العدو والانقياد الي كمائن محكمة بحماقة مطلقة كل هذا ادي الي هزيمة عسكرية مدوية وانهيار كامل لمشروع نهضوي كان من الممكن ان يضع مصر والمنطقة العربية كلها في وضع افضل، بالإضافة طبعا الي احتلال بقعة كبيرة من الاراضي المصرية والعربية عموما وتدمير كبير في المعدات والاليات العسكرية وصل الي ما يقارب 80 % في القوات الجوية. علي ان اخطر ما في الموضوع ليس كل ما سبق ولكن الاخطر علي الاطلاق هو تدمير الروح المعنوية والنفسية للجندي المصري وتشتت الجيش الذي وصفه الرئيس السادات فيما بعد بانه كان من ضحايا النكسة ولم يكن ابدا من اسبابها. وكان الجندي المصري لا يعاني فقط من انهيار روحه المعنوية في الميدان علي الجبهة ولكن كان الالم اشد بداخل المدن والقري التي كان الجندي يتخفي هربا من نظرات اللوم القاسية التي تطارده من اهله واقربائه قبل عموم الناس التي لا يعرف. وعلي كل هذه العوامل السيئة القاسية التي لا يستطيع اي شخص ان ينتج اي انتاج من اي نوع الا ان الجندي المصري اثبت تفرده وقوته بعد اقل من شهر واحد وفي قلب الميدان الذي مني فيه بالهزيمة الثقيلة وعلي نفس الجبهه التي فر منها وامام نفس العدو في معركة ذائعة الصيت وهي معركة راس العش في الاول من يوليو من العام نفسه! وكان الامر يشبه خروج مارد من وسط السحب والاطلال والضباب، علي قيادة هذا المارد مجموعة من الجنرالات التي حفرت اسمائها بجدارة في كتب التاريخ العسكري مثل المشير الجمسي والفريق عبد المنعم رياض والفريق الشاذلي والمشير احمد اسماعيل علي وعلى راسهم الفريق اول محمد فوزي اول وزير حربية لمصر بعد النكسة وقوام هذا المارد الجبار هو الشعب الذي ضحي بدمه وقوته من اجل انجاز هذه العملية. لم تكن مهمه الفريق فوزي سهله ولا مزحة.. كانت مهمة قاسية وسخيفة بل وتشبه المستحيل. فعلي سبيل المثال من يملك اي خلفية ولو بسيطة عن طبيعة العمل العسكري يعلم يقينا ان اول واهم اركان هذا العمل هو الانضباط الشديد. ولندرك حجم الضغوط علي الرجل نذكر اول مهامه وهي اعادة هذا الانضباط لصفوف القوات المسلحة ولندرك حجم تعقيد المشكلة نذكر ايضا ان اغلب المجندين في هذا الوقت فروا جميعا الي قراهم واقاليمهم واختبأوا في البيوت في حاله انهيار نفسي كامل اما بسبب ما عانوه وقت الحرب او خشية من ان يواجهوا الناس ويقرعوهم ويوجهوا لهم اللوم بسبب الهزيمة الكارثية. مهمه شبه مستحيلة ولكن الثنائي فوزي – رياض كانوا اهلا لها واستطاعوا ان ينجزوها علي اكمل وجه وان لم ينل الاول الفريق فوزي حقه من التكريم اللائق فيما بعد ولم يمهل القدر الثاني الفريق رياض العمر الكافي ليري بعينه نتاج ما صنعه بيديه واستشهد في العام 69 كانت هناك قدرات يشتهر بها الفريق فوزي وسط الضباط حتي من قبل الهزيمة، فكان مشهور مثلا بصرامته الشديدة وقسوته وعنفه علي المخالفين للاوامر. وكان مشهور عنه مثلا انه يسبب الرعب لطلاب الكليه الحربية وقت كان مديرا لها قبل النكسة. كان ديكتاتورا عنيفا قاسيا لا يرحم وكأن الرئيس عبد الناصر استشعر ضرورة الصرامة المبالغ فيها والتي تصل الي حد القسوة احيانا والانضباط المطلق في تلك المرحلة الحساسة شديدة الحساسية في تاريخ العسكرية المصرية. وفيما بعد نسب الي الرجل الفضل في انشاء حائط الصواريخ الاسطوري والذي اسس للفرع الرابع من افرع القوات المسلحة وهو قوات الدفاع الجوي كما ينسب ايضا الي الرجل انه مهندس حرب الاستنزاف تلك الحرب العظيمة التي لم تأخذ حقها من الدراسة والتكريم لماذا نذكر هذا الرجل اليوم ؟ ولماذا نعود بالذاكرة الي ذلك التاريخ؟ اليوم قامت في مصر ثورة عظيمة وكبيرة وكان هناك للثورة بطبيعة الحال اعداء ولهم هدف واضح محدد سياسي وميداني. الهدف السياسي كان جليا بان يشعر الشعب المصري بان من قام بالثورة هم عملاء وانهم صنيعة الموساد والمخابرات الامريكية!!!! وهذا الادعاء شديد التفاهه وينسف من اساسه بتساؤل واحد .. هل كان مبارك ونظامه وابنه يشكلان مصدرا للقلق لسرائيل او امريكا حتي تسعي الي اسقاطه ؟؟ !!!!! ام ان اسرائيل كانت تعتبر مبارك كنزها الاستراتيجي؟ هذا بالنسبه للهدف السياسي ولا قلق منه ولا يجب ان نعير تلك الدعوات الحمقاء اهتماما ولكن الهدف الميداني والذي اعلنه مبارك نفسه في خطابه الشهير (اما انا او الفوضي) يتلخص ببساطة في حالة عدم الاستقرار الامني. وظهرت بعد الثورة اقوال عن ان تلك الحالة هي خطة معدة مسبقا من قبل وزارة الداخلية وجاهزة للتنفيذ في حال تولي جمال مبارك سلطة الحكم في البلاد. وباء المخطط الاجرامي بالفشل ولكن كان هناك توابع اخري. كان هناك جرح عميق في نفوس ضباط الداخلية، كانت تجاوزات الضباط لا تطاق قبل الثورة وكانت النظرة الاستعلائية مسيطرة علي تفكيرهم وعندما ادركوا انه لم يعد من المقبول استمرارهم علي نفس المنوال كان هناك نوع من الاحتجاج الصامت الصارخ (خلاص احموا نفسكم من البلطجية ) وفي نفس الوقت كان هناك احتجاجا اخر من قبل الناس (اومال انتو بتشتغلوا ايه وبتخدوا فلوس ليه) جرح عميق اصاب المجتمع كله تبادل فيه الشرطة والشعب الاتهامات والنتيجة ان البلطجي اصبح سيد المشهد بلا منازع فلا الشعب يقف مع الداخلية في مواجهه اعمال البلطجة بل ويتعاطف الناس مع اللص ضد الضابط ولا الداخلية اصبحت تؤدي عملها كما ينبغي ووقفت ضد اعمال البلطجة وانحازت لصفوف الجماهير التي يفترض انها منها وانتشرت حاله من التسيب داخل صفوف الداخلية فاصبح مشهدا مألوفا تظاهرات واعتصامات لامناء وضباط الشرطة وهذا بالطبع في العرف العسكري الذي لا يعترف الا بالتعليمات وتنفيذها يعد تسيبا شديدا. ملحوظة هامشية:- لا ادري لماذا يلي اي اعتصام لامناء الشرطة حريقا في وزارة الداخلية وعلي الرغم من ان هذا الجرح العميق اقل بكثير من جرح الجيش في 67 ففي 67 انهزم الجيش وتدمرت معداته وعنوياته وتشتت الي درجة الذوبان في انحاء الدولة في حين ان الجرح في 2011 لم يدمر جهاز الشرطة. فقط جرح معنوي من الممكن مداواته بعملية جراحية بسيطة، علي الرغم من الفارق الا ان جهاز الداخلية لم يستعد بعد ثقته في الناس ولا ثقة الناس فيه ولانني ممن يؤمنون بأن مصير الامم العظيمة في احيان كثير يرتبط بأفراد عظام يسطرون بافعالهم هذا المصير فانا اعتقد ان السبب في هذا التأخر في استعادة دور الشرطة راجع لعدم وجود فرد مثل الفريق محمد فوزي في مواقع اتخاذ القرار في وزارة الداخلية. نعم كان بين صفوف الجيش وقت الهزيمة شمس بدران و حمزة البسيوني وعلي راسهم المشير عامر ولكن ايضا كان بين صفوف الجيش الفريق فوزي والفريق رياض. نعم كان بين صفوف الشرطة حسن عبد الرحمن واسماعيل الشاعر وعدلي فايد وكان علي راسهم حبيب العادلي ولكني متأكد من وجود الفريق فوزي ايضا بين صفوف الداخلية، فلنبحث سويا عن فوزي اخر جديد بين الضباط الشرفاء ووقتها سوف يعيد وحده الانضباط الي هذا الجهاز شديد الاهمية في البلد ولنلتف حول اهلنا من الضباط ونمنحهم الاطمئنان الكافي وفق معايير مهنية صحيحة لا تهين متهم ولا تظلم احدا. وحتي نجد الفريق فوزي فلنحاول مداواة الجرح