محمد الشماع كنت من اوائل الذين سعدوا وأيدوا اختيار الدكتور كمال الجنزوري ليرأس حكومة الانقاذ الوطني.. وقلت انه قبل مالا يقبله غيره في هذه الفترة العصيبة والمرتبكة والقاسية، لان اجهزة الدولة ليست في كامل جاهزيتها، وهذا امر يجعل اي مرشح لرئاسة الحكومة يتردد في حمل هذا العبء الثقيل، لان المطالب كثيرة، والاتجاهات متصادمة، ولكن الدكتور الجنزوري شخصية توافقية لاقت ارتياحا وقبولا من الاسلام السياسي - ويبدو أنه تغير من بعد الانتخابات - والفرق الليبرالية. الرجل اقرب إلي روح الثورة، ويقف معها موقف المؤيد والمدافع وقلت ان عدم القبول بالدكتور الجنزوري يعني مرحلة اخري من الصدام وهو امر ليس في صالح الحركة الوطنية المصرية. كان الحفاظ علي بقاء المجلس العسكري في هذا الظرف هو افضل من محاولة ازاحته، لان الازمة سوف يتبعها بالتأكيد فراغ في السلطة والحالة المصرية شديدة التعقيد ولا يمكن الحصول أو تحقيق افضل الاهداف في الفترة الانتقالية، لان المسافة شاسعة ومتناقضة بين القوي الليبرالية وبين الاحزاب ذات المرجعية الدينية، وهي معركة نود لها ان تنجز في مناخ ديمقراطي لا ان تتم في مناخ من العنف الذي يدمر ويضلل ويفتح الباب علي مصراعيه امام قوي اجنبية لن تتردد في ان تمد اصابعها في الشأن المصري. لقد نجحت قوي المجتمع في انجاز الثورة وكانت تنتظر حلولا عملية لمشاكلها ثم تعرضت القوي الليبرالية لهجوم استخدم فيه اسلحة فاسدة تنتمي إلي العصور الوسطي مما وضع قوي الثورة المصرية في مأزق حقيقي وهي تري انها لم تجن من ثورتها إلا قبض الريح! ثم ان فلول النظام السابق قد استغلت هذا المناخ المترب لكي تعود بقوة إلي الساحة السياسية مستخدمة ما سرقته من اموال الشعب مشكلة احزابا ظاهرة وميليشيات سرية من البلطجية!! هكذا تحولت الثورة المصرية إلي »ضجيج بلا طحين« واستخدمت كلمة الديمقراطية استخداما بشعا يراد به باطلا ودخل الوطن الثائر بشبابه الغاضب في نفق مظلم إلي ان كانت الحلقة الثانية من حلقات الثورة التي كانت ولاتزال تفتقر إلي القيادة الموحدة وتفتقر إلي برنامج محدد إلا ان السياق العام لهذه القضية الثورية يحمل ادانة لكل القوي السياسية الانتهازية هنا وهناك والتي توهمت ان الشعب المصري قام بثورة كي ينقل السلطة من مبارك واسرته إلي القوي الغاشمة التي تملك مالا أو تملك طموحا لكنها تعجز عن الرؤية وتفتقد الرؤي والخبرة. ان الازمات في المجتمع المصري هي ازمات حقيقية، تبحث عن حلول حقيقية، وان من تحدثه نفسه بأنه قادر علي ان يمارس الخداع أو الفهلوة للانقضاض علي السلطة ثم التنكر عن العجز عن تقديم حلول فإنه يحكم علي نفسه بالموت ذليلا مهانا. اكرر ان المرحلة الانتقالية هي اصعب المراحل في تاريخ الشعوب لانها تعكس اعلي درجات الصراع بين قديم يجب ان يتلاشي وجديد يجب ان يبزغ وان اداره هذه الفترة هي من اصعب الامور، ومن قواعد التعامل مع الجهاز الاداري للدولة الذي شئنا ام ابينا فانه لا يزال يدار بقوانين العهد السابق وبرجال العهد السابق، وان ما تم في هذا الجهاز هو التخلص من أيقونات الفساد الكبيرة فقط. واذا كانت حكومة الانقاذ الوطني بحكم التفويض التاريخي الممنوح لها لا تستطيع ولا تملك التعامل مع مشروعات طويلة الاجل ولا وضع خطط للتحول السياسي أو الاقتصادي لانها بطبيعة الظروف التي اكتنفت الحالة المصرية لا تستند إلي اغلبية برلمانية فانها ستواجه ايضا مصاعب وعقبات لم تكن في حساباتها! ويبقي علي هذه الحكومة الانتقالية ان تدير العمل يوما بيوم وهي محاطة بكل اسلحة النقد وكل اتهامات التقصير لانها فشلت في اعادة الاوضاع الامنية المرتبكة مرورا بالمظاهرات الفئوية المطالبة بزيادة الرواتب وصعودا إلي المظاهرات السياسية التي تطرح شعاراتها وتستعجل الانجاز التاريخي بأكثر مما تسمح به حقائق الواقع. قرارات حكومة الانقاذ الوطني ذكرتني بقرارات حكومات ما قبل ثورة 52 يناير التي سبق اصدرتها حكومات سابقة منذ ايام المرحوم د.فؤاد محيي الدين رئيس الوزراء الاسبق وبقيت حبرا علي ورق في ارشيف محاضر اجتماعات مجلس الوزراء. كل القرارات التي اصدرتها حكومة الانقاذ الوطني صدرت عن حكومات ما قبل ثورة 52 يناير، وكنا نتمني ان يتم تفعيل القرارات السابقة بدلا من تكرار إصدارها في صيغة جديدة وعلي سبيل المثال اذا بدأنا بالقرار الخاص بحظر استيراد السلع والمنتجات التي يوجد فيها منتج محلي فان هذا القرار تم اتخاذه عدة مرات في حكومات الدكاترة عاطف صدقي وكمال الجنزوري وعاطف عبيد وكانت هناك قوائم بالسلع المحظور استيرادها للحكومة وسلع اخري لم نكن نعرفها من قبل وتم استيرادها لكي نتعرف عليها كما تم استيراد العديد من السلع ذات البديل المحلي، وكان الرد هو السماح بالمنافسة لاجبار المتنجين المصريين علي تحسين وتجويد وتسعير منتجاتهم، وكانت الجهات والهيئات الحكومية في مقدمة المستوردين. كما تسربت العديد من مكونات المشروعات العامة بحجة وجود منحة اجنبية تشترط الشراء من الدول المانحة. والسؤال هل كنا في حاجة إلي اصدار القرار مرة اخري ام دراسة اسباب عدم تنفيذه؟ ايضا استكمال المشروعات القومية وغير القومية للاستفادة من الاستثمارات الضخمة التي انفقت عليها ولم يتم الاستفادة منها، صدرت عدة قرارات لحكومات عديدة سابقة ولازالت العديد من المشروعات التي انفق عليها الملايين من الجنيهات مهدرة، بدون فائدة. كذلك نعلم جميعا ان السبب الرئيسي لانتشار العشوائيات هو رخص سعر المتر المربع من الارض الزراعية عن متر الارض الصحراوية الذي تتحكم الدولة في بيعه واذا تغير الحال واصبح ثمن المتر من الارض الصحراوية اقل من الزراعي سيتوقف المواطنون مباشرة عن تبوير الارض الزراعية لمزايا البناء علي الارض الصحراوية وهي افضل الف مرة من البناء علي الارض الطينية التي تتعرض للهبوط ولها العديد من المشاكل الفنية والصحية والاجتماعية حتي بعد سكنها، ولكن الحكومات السابقة وزعت عدة قطع من الاراضي الصحراوية وتركت المشترين فريسة للبلطجية واللصوص والسوق السوداء تحت شعار »ابني بيتك« وهو في الحقيقة دعوة لاقامة مناطق عشوائية في نفس الوقت الذي تتواجد فيه عشرات الشركات بدون عمل! ايضا قرارات الحد الادني والاقصي للمرتبات كنا نتمني من حكومة الانقاذ الوطني ان تكون اول مهام الحكومة هي اعادة الامن المفقود واتخاذ اجراءات عاجلة لاحياء الاقتصاد الوطني الذي وصل إلي حالة بالغة بل شديدة الخطورة، فلا الامن تحقق بل كان قمة التسيب والتآمر متمثلا في مذبحة بورسعيد واستمرار الازمات غير المبررة من ازمة البوتاجاز والبنزين والخبز رغم تصريحات المسئولين بأن الكميات المطروحة في الاسواق اكثر من الاستهلاك فمن نصدق، مشاهد الطوابير الخاصة بالبوتاجاز والتي تفوقت علي طوابير الانتخابات البرلمانية لمجلس الشعب الاخيرة والتي اختفت امامها طوابير انتخابات مجلس الشوري التي يجري استكمال باقي مراحلها! ثم مطالب الملايين من ابناء مصر بتطبيق العدالة الاجتماعية.. احد اهم اهداف الثورة وهي وضع الحد الادني والاقصي للمرتبات علي الاقل في الحكومة، فقد اتخذ القرار ثم اعلانه لكنه لم يتم تطبيقه لماذا.. لا احد يعرف؟! تسريع المحاكمات للفاسدين وقتلة ومصابي الثورة تسير ببطء شديد مما افقد المواطنين اي أمل في حساب هؤلاء الفاسدين والقتلة وترك اثر شديد السوء بين المواطنين، حتي المتهمين بنهب اموال الشعب فقد مر علي الثورة اكثر من عام ولم يتم استرداد جنيه واحد ممن نهبوا المليارات من أموال الشعب، البعض يؤكد انه لن يتم استرداد الاموال من الخارج إلا بعد محاكمات قانونية عادلة، والبعض الاخر يؤكد انه لن يتم استرداد هذه الاموال من الخارج وفريق يشير إلي ان هذه الاموال خرجت ولن تعرف طريقها للعودة مرة اخري لاسباب كثيرة وهي اموال بالمليارات.. ونحن نتابع مسلسل المحاكمات الذي فاق المسلسل الامريكي فالكون كريست الذي تعددت حلقاته مئات الحلقات وفي النهاية خرجنا من المسلسل لا نتذكر بداية المسلسل في نفس الوقت نبذل جهودا مع الهيئات الدولية لإقراضنا مبالغ اذا ما قورنت بالمبالغ المهربة فان ما تطلبه مصر اقل من اي مبلغ قام بتهريبه عيل من ابناء الفاسدين الهاربين! المهم هؤلاء الفاسدون لديهم اموال واملاك بالمليارات داخل مصر لماذا لا تصادر هذه الاموال والممتلكات لصالح الدولة ومعظمها مسروقة ومنهوبة من اموال الشعب.. هل ننتظر ايضا حكم القانون.. وهل هؤلاء الفاسدون كانوا يحصلون عليها بالقانون لكي نستردها بالقانون.. اين الثورة؟! حتي قرار رئيس الوزراء للمحافظين بالقضاء علي جبال القمامة خلال ثلاثة أيام، زادت خلالها تلال القمامة! تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور هل هي محتاجة لمناقشات ومناورات وحسابات سياسية ومحاولات ارضاء فريق أو فرق معينة حتي نرضي.. علما بأن الجميع يعلم طبيعة تشكيل مثل هذه الجمعيات التأسيسية التي من المفترض انها تعبر عن كل اطياف المجتمع المدني، التي ساهمت في الثورة لكن البعض يريد ان تعبر عنه وفريقه الشخصي فقط! اما ما تميزت به حكومة الانقاذ ولا نعلم عنها شيئا فيما نفعله سوي قضية الشهداء ومصابي الثورة وكأن هذه الحكومة لا عمل لها سوي قضايا الشهداء والمصابين فقط ورغم كل ذلك فان اهالي واسر الشهداء معظمهم يريد القصاص فقط، خاصة اذاما علمنا ان تعويضات الشهداء مبالغ لا تساوي ظفر شهيد من هؤلاء الشهداء الذين وهبوا لنا الحياة والعزة والكرامة فالمعارك تدور بين اجهزة الحكومة واسر الشهداء يوميا من تزايد اعداد الشهداء التي نتمني ان تتوقف وان تكون مأساة مذبحة بورسعيد اخر ضحاياها. اما مصابو الثورة فان ما نراه ونسمعه من هؤلاء المصابين يدمي القلوب بسبب ما يلاقيه هؤلاء المصابون من تعقيدات واهانات في سبيل الحصول علي العلاج والعلاج فقط لمن ضحوا بأغلي ما يملكون بصحتهم ونور العيون! اخشي ان تتحول حكومة الانقاذ الوطني إلي حكومة.. ضد الشهداء ومصابي الثورة!