د.عمرو عبدالسمىع نتف الأقوال والتصريحات المتناثرة في الفضاء الافتراضي لشبكة النت، وفي وسائل الاعلام التي كرست جل مجهودها للتحريض وضرب عمد الدولة وارباك الحياة في البلد علي الجملة، تدور في اللحظة الراهنة حول يوم 11 فبراير القادم باعتباره موعد بلوغ ذروة التصعيد السياسي الذي بدأته تشكيلات بعينها منذ 52 يناير الفائت، مطالبة بتولية قوة مدنية غير منتخبة رئاسة الدولة في مصر، ومنادية في سبيل تلك الغاية بالالتجاء الي اشد وسائل الضغط وعلي رأسها العصيان المدني. وألخص هنا مجموعة من الافكار والانطباعات علي عتبة 11 فبراير وما بعده، مشيرا بوضوح الي ان المشهد الذي يحاول البعض دفعنا اليه يحوي من المخاطر علينا وعلي بلدنا ما يجاوز عناصره المرئية او المعلنة بكثير، وهو بيقين يعني خضوع مصر ولفترة طويلة قادمة الي املاءات وارادات قوي دولية واقليمية بعينها، كما يعني تآكل الارادة الوطنية، بما يعلن بقول واحد رواج فقه التبعية وسقوط الاستقلال. اولا: لفتني في هذا السياق الالحاح علي فكرة العصيان المدني منذ قبل ثورة يناير، وهو ما لم يلق قبولا يذكر وقتها بين شباب الثائرين، او في وسط مصري قلق تآكلت فيه مباديء ومطالب الثورة تدريجيا حتي وجدنا انفسنا امام تخليق كائن مشوه الملامح، لا يشبه مطلقا الذي ظهر بيننا وحولنا في مطلع العام الفائت عند اندلاع احداث يناير. ولكن فكرة »العصيان المدني« ظلت تحوم حولنا، خالقة مناخا مأزوما يساعدها علي الوجود والتقدم في اي خلاء سياسي ترصده، متربصة بشباب الثورة كذئب حوام لئيم اقسم ان ينهش لحم البلد ويعلن اجهازه علي مستقبله فيما تساقط نقاطت الدم علي جانبي فمه. واي مراقب نصف فاهم لمسير ومجريات الاحداث في العام المنقضي يدرك بسهولة ان هناك تدريبات او بروفات اجريت امام اعيننا للاستيثاق من قدرة قوي بعينها علي انفاذ »العصيان المدني« والاندفاع نحو الفوضي، وتعويد الشعب علي عناصر ثقافة ذلك العصيان وقبوله كأمر واقع يدمر الدولة، ويقوم بتصنيع الدولة البديلة. ان سلسلة طويلة من الحوادث مرت بنا، تبدو في نهاية النهار خطوات لتمرين مشهور (بلغة الرياضيات) يدفع نحو نتيجة ارادها اولئك، وكانت هي المطلوب اثباته، او الوصول اليه. (توقف ميناء السخنة)، و(اضراب ميناء دمياط)، و(اضراب الملاحين والموجهين الجويين)، و(محاولة تعطيل الملاحة بقناة السويس)، و(تعطيل السكك الحديدية او تغيير مساراتها)، و(قطع الطرق السريعة)، و(احتلال المرافق الخدمية والحكومية) العملية المدهشة كلها اذن تم التدريب عليها بالقطاعي، الي حين يتم تنفيذها بالجملة تحت عنوان: (العصيان المدني في 11 فبراير) وقد حددت لنفسها هدفا نهائيا هو تصعيد شخص او هيئة غير منتخبين الي سدة القيادة بعد الضغط علي اعصاب الناس للوصول بهم الي نقطة الانفصال عن السلطة الوطنية للمجلس الاعلي، وشعورهم ان حكمه لا يلبي المطالب الرئيسية للحياة، بما يدفع الشعب الي نكرانه والدعوة الي اسقاطه والتخلص منه قبل ان يكمل المرحلة الانتقالية، وهنا ينفتح الطريق امام طرح اسم الشخص غير المنتخب (الذي لا يبغي دخول معترك انتخابي لن يفوز فيه) ليصبح رئيسا للدولة. ثانيا: هناك ترافق واضح بين تصعيد الولاياتالمتحدةالامريكية ضغطها علي مصر ومساندتها قوي واشخاص يريدون الوصول الي الحكم بغير الارادة الشعبية او بين انكشاف مخطط التمويل الاجنبي المروع الذي ظهر خلاله وبان يوم الاثنين الفائت حجم شبكة ضخمة من الاشخاص احدثوا اختراقات دالة في مؤسسات الدولة، وقطاعاتها المهنية والجيلية المختلفة.وصارت جمعياتهم منصات تمويل لأنشطتهم السياسية كما فهمنا من البيانات الرسمية. ونظرة واحدة الي الانفعال العصبي الكبير من جانب واشنطن ازاء ممارسة مصر لحقها القانوني في مواجهة ما بدا كعمليات تخابر متكاملة الاركان، تقول لنا اننا صرنا حقلا للتدريب العملياتي علي ما يمكن تسميته: (الاستعمار عن بعد) وبحيث اصبح عدم خضوعنا له، يعني ان نواجه غضب الولاياتالمتحدة، الذي عبرت عنه السفيرة الامريكية في القاهرة مخاطبة احدي المؤسسات الأمنية والقضائية المصرية، بضرورة (تقفيل) هذه النوعية من القضايا، وهو ما تحصلت عنه اجابة حازمة للغاية!!. حلقات السلسلة تكتمل اذن بين »التمويل« عبر واجهات من فروع منظمات سياسية دولية، و(التخطيط) عبر محاولة ضرب العلاقة بين القوات المسلحة والشعب وهي ضمانة الانتقال الوطني الديمقراطي الي مصر الجديدة، و(التنفيذ) عبر ضرب ركائز الدولة، والعبث بمقدراتها الاقتصادية واستخدام الضغط علي اعصاب الجماهير وسيلة لدفعهم الي قبول ما يريده مخططو الاستعمار عن بعد. ثالثا: ان هناك مجموعة من الظواهر التي تجلت حولنا في الطريق الي 11 فبراير، يصبح تجاهلها هو لون من التغفيل، اذ إنها أدلة ثبوت قاطعة علي حجم المؤامرة التي تواجهها البلاد، وضمنها من دون شك تلك الخرائط التي تقسم مصر الي خمسة دول، والتي تواجدت بما لا يمكن ان يكون صدفة في مقري المعهد الجمهوري الامريكي والمعهد الديمقراطي الامريكي بالقاهرة، وبما يشير الي طبيعة الافكار التي تقوم تلك المؤسسات بترويجها وتسويقها في مصر كعقيدة للدولة البديلة التي يحاولون الوصول اليها عبر هدم الدولة الوطنية وتدميرها بالعصيان المدني وتحت مظلة اعلام عميل أو مخترق قدم لنا عشرات الدلائل خلال الشهور الماضية علي انه حلقة مهمة جدا في التآمر علي مصر، والتحالف مع اعدائها في الداخل والخارج. وبالقطع فان جزءا اساسيا من عملية هدم الدولة يتلعق بإطاحة البرلمان الديمقراطي المنتخب الذي اختاره الشعب، والذي نتمسك جميعا به ايا كان انتماؤنا السياسي اذ يرون في اقصائه عن السلطة التشريعية لونا من فتح الطريق امام دعاوي تصعيد كيانات غير منتخبة، (بعدما اكدت الانتخابات الماضية انهم لا يحوزون ارضية شعبية تذكر)وضمن تلك الكيانات مؤسسة رئيس الدولة الذي يدفعون الي تعيينه لو اسقطوا سلطة الجيش الوطنية. اللهم احم مصر والمصريين وقواتهم المسلحة وبرلمانهم.. اللهم احفظ وحدة الشعب والجيش التي صنعت ثورة يناير.. اللهم انصرنا علي قوي الاستعمار عن بعد التي تكمن في غبشة المساء لاغتيال وطننا.