تخيلت نفسي أحد الفنانين التشكيليين وحاولت أن أرسم صورة حقيقية معبرة عن الخروج يوم 52 يناير في ميادين متنوعة وأفكار وآراء متباينة فوجدت أصابعي في حيرة شديدة كيف تبدأ في وضع ملامح هذه الصورة حتي تنطلق بعد ذلك في رسم المعني الذي نريده. كيف اختار الألوان المعبرة عن العيد الأول للثورة وسط اختلافات وانقسامات بين أبناء الوطن الواحد والقوي السياسية والثورية.. كيف ستخرج هذه الصورة إلي الوطن وإلي العالم لتكون شاهدا علي ما يحدث في بلدنا الغالي هل ستخرج مهزوزة تثير الحيرة والبلبلة أم ستخرج عنيفة فيغلب عليها اللونان الأحمر القاتم والأسود ليظللا الضحايا والمصابين أم ستخرج خلفيتها بيضاء لتعبر عن بهجة أعدائنا في الداخل والخارج لما نمر به وخرجنا من أجله وسط حالة من الانقسام والتحدي والتهديد فيما بيننا.. أم ستخرج هادئة مثل النار تحت الرماد. إنها حقا صورة محيرة وتبعث علي القلق والخوف وقد ترددت في الفترة الأخيرة كلمات معبرة عن الحالة النفسية التي يمر بها الوطن مثل ربنا يستر ربنا يعديها علي خير يارب تكون وقفة سلمية معارضة ولكن لا تنتهي في نتائجها مثل الأيام السابقة في إمبابة وأطفيح وماسبيرو والتحرير ومحمد محمود ومجلس الوزراء »مواقع الفتنة«. جانب من المواطنين يخرج في هذا اليوم الجليل الجميل ليعلن التحدي لكل ما هو سلطة حتي المنتخبة من الشعب فيتحدثون عن عزمهم علي إسقاط حكم العسكر وتسليم الحكم إلي سلطة مدنية الآن وليس نهاية شهر يونيو بل وإثارة الفتنة داخل المؤسسة العسكرية بأنهم بهذا التظاهر إنما يدعون لحماية الجيش المصري من أن يؤخذ »بجريرة« المجلس العسكري متغافلين أن الحاكم العادل بشكل مطلق إنما هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أما سائر الحكام فيصيبون ويخطئون ولكننا في النهاية نحكم علي مواقفهم مجتمعة وليست متفرقة، جانب آخر من المواطنين يقف مع شرعية المجلس الدستورية ويتفق معه علي الجدول الزمني لتسليم الحكم لسلطة مدنية خاصة بعد الانتخابات التشريعية التي أبهرت الداخل والخارج والتي كفل المجلس العسكري لها كل أسباب النزاهة والانضباط والأمن في خروج الملايين للإدلاء بصوتهم في حدث يعد سابقة هي الأولي من نوعها منذ قرن من الزمان، وفي الوسط تقف بعض الأحزاب والقوي السياسية التي تؤيد ما توصل إليه المجلس العسكري في زمن تسليم السلطة، وإن اختلفت معه في بعض الأمور الإجرائية مثل كيفية اختيار اللجنة التأسيسية لوضع الدستور وملامح هذا الدستور حتي يأتي توافقيا ولكنها في طريقها لايجاد الحلول التي ترضي الجميع دون إشهار التهديد أو الخروج لتدمير ما حققناه من إنجازات. أعود إلي المواطن البسيط الذي يريد الاستقرار والإحساس بالطمأنينة في وطنه ومع نفسه فهل يآمن بأن يتبع إحساسه والتعبير عنه يوم الخروج فالمجادلات السياسية والاقتصادية لن تنتهي أبدا وعلينا ان نختار من بينها ما يحقق العيش والعدالة والحرية للمواطن.. علينا ان نعود إلي أهداف الثورة وكأننا علي مائدة مستديرة نختلف ولكن لا ننقسم، نتحاور ولكننا لا نهدد بعضنا بعضا ونشهر سيوفنا نحو أعناقنا فننحر وطننا العزيز. أتمني أن تعود أصابعي للإمساك بالفرشة والألوان لتأتي بالصورة التي يتمناها الناس جميعا صورة تظهر تماسكنا وحبنا الغالي للوطن وأن الشمس ستشرق عليه بعد ظلام وظلم طويل، وأن الخلافات بيننا إنما تبغي وجه الله وليس خدمة أهداف ومصالح وأشخاص لا تبغي للوطن خيرا، انها صورة يوم الخروج فهل تكون مضيئة تهدم الحزن الذي عاش بيننا لتخرج لنا شعاعا فيه الأمل والتفاؤل بعودة مصر إلي أحضان أبنائها يرفعونها عالية وسط الأمم.. وعظيمة يا مصر يا أرض النعم.