تعددت مشاهد الشهامة والإيجابية للشباب المصري الأصيل منذ بدء الثورة في مشاهد متعددة مختلفة تستحق التحية والاحترام تمثلت في اللجان الشعبية لحماية الأهالي من سطو اللصوص والبلطجية وقت الثورة، وفي مشاركتهم في تنظيف الشوارع والميادين الرئيسية، ومن مواقفهم لتهدئة الأمور بين الأطراف المعنية في أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، ومن مواقفهم لحماية منشآتنا العامة ومتاحفنا من المخربين، هذا بالإضافة إلي المواقف الفردية النبيلة التي راح ضحيتها بعض الشباب الشجعان أثناء حمايتهم لبعض الأفراد من المارة الذين شاهدوهم يتعرضون للسطو أو للسرقة من بعض العصابات المنظمة، فالمصري دائما منذ قديم الزمن معروف بشهامته وأصالته وطيبة قلبه وكرمه،وهذا ليس بغريب عن شعب ساد العالم بحضارته وعلمه في وقت كان الغرب يعاني الجهل والظلام. ولا يمكن أن نقصر هذه الشهامة علي المصريين بداخل مصر فقط، ولكن هذه الشهامة ممتدة ومعروفة لدي المصريين المغتربين مهما طالت غربتهم، لأنها صفة متأصلة في تركيبة الشخصية المصرية الأصيلة أي في الجينات الوراثية. فدائما ما ألتقي مع أصدقائي كل فترة، وأنتظرت هذا الشهر بشغف قدوم أجازة الكريسماس والترم لألتقي ببعض الأصدقاء الذين يعملون خارج مصر منذ تخرجنا من الجامعة، وعندما التقينا هذه المرة، تناولنا الحديث عن نقل وسائل الإعلام بالخارج لمشاهد الإيجابية للشباب المصري وقت الثورة، وكيف أن أولادهم من الشباب ذات الجنسيات الاجنبية بحكم مولدهم استشعروا منذ مولدهم قيمة مصريتهم، وظهر ذلك في حرصهم علي التردد علي سفارتهم المصرية هناك للإدلاء بأصواتهم وقت الانتخابات وفي حرصهم علي حمل جواز سفرهم المصري بعدما كانوا يستخدمونه فقط عند دخول مطار القاهرة، وحرصهم علي إظهار ملابس عليها أسم أو علم مصر أو تزيين حجراتهم بصور البردي الفرعونية أو الفن الإسلامي أو بسجاد الكليم المصري اليدوي، وفتح هذا الحديث علينا ذكريات وحكايات رائعة عن شهامة المصريين بالخارج، وتذكرت وقتها منذ 15 عاما في ولاية كنت بإنجلترا، كنت أنا وأولادي وهم أطفال نتناول الطعام في أحدي مطاعم الفيش أند شبس وقتها، فإذا بشاب ضخم البنية مثل أفلام الكاوبوي ويبدو كأنه إيطالي/يوناني الجنسية بملامحه يصفع ويضرب صديقته ضربا مميتا وكما لو أنه فقد عقله، فما كان علي رواد المطعم إلا الفرار خارج المطعم إلا شاب كان يتناول طعامه بالمطعم فقفز للدفاع عن الفتاة بالرغم من قلة حجمه غير مبال ضربات ولكمات وتمزيق الشاب الضخم لملابسه، وكما لو أن الفتاة من باقي أهله، في وقت كان صاحب المطعم يتصل ببوليس النجدة، فما أن جاء البوليس، توقف الشاب عن الضرب ولكن الشيء المذهل أن الفتاة بدلا من أن تشكر الشاب الذي دافع عنها، نهرته لأنه تدخل بينها وبين صديقها فيما لا يعنيه، وعندما توجه صاحب المطعم بعدها ليشكره، علمت أن هذا الشاب مصري الجنسية من محافظة الشرقية تغرب عن بلده منذ عشر سنوات ليعمل بمطعم للكباب التركي في ولاية كنت، فشعرت بالفخر الشديد لأن يأتي هذا التصرف النبيل من أبن البلد الأصيل. وتذكرت صديقا لزوجي المعروف "بعز المصري" لكل المصريين ببريطانيا وإستراليا، وكيف أنه معروف بشهامته وسط أصدقائنا حتي عندما هاجر للسفر إلي بريطانيا ثم إلي إستراليا أصبح يتعامل بروح أبن البلد المصرية، فتجد منزله مثل دوار العمدة يتلقي أيا من المترددين من أولاد أصدقائه أو أولاد الجاليات المصرية الدارسين أو الزائرين للبلاد، فتجد رنات التليفون لا تفارق منزله كما لو أنه مركز لإستعلامات المصريين بهذه البلاد . وذكرت صديقتي المهندسة راندا عراقي كيف كان حاج أحمد رجل المخازن البسيط في الشركة المتعددة الجنسيات التي كانت تعمل بها مثالا للقائد الحقيقي في إحترامه لمواعيده ووعوده وللآخرين وتفانيه في عمله، فلم يكن يعرف إلا كلمة الحق حتي ولو علي رقبته وكانت له مواقف عديدة في الشركة لإظهار الحق حتي نال احترام كل العاملين من المصريين والأجانب وكانت الإدارة العليا ترجع له في الكثير من القرارات، أما صديقتي الروائية مي خالد فلقد كانت دائما تحكي عن شهامة عائلة الطبيب القبطي د. سامي وأسرته في ألمانيا الذين كانوا دائما حريصين علي تحضير مائدة رمضانية يوميا لأولاد جيرانهم أسرة المهندس شهاب أثناء إنشغال أم الأولاد مع زوجها شهاب في المستشفي قبل وفاته. فألا تستحق هذه الشخصية المصرية التحية والتقدير من العالم كله، وألا تستحق أن نضع أيدينا في يد بعضنا البعض لنبني مصرنا الجديدة بالعمل والإنتاج طالما أن الحب يملأ نفوسنا، ألا نستحق أن يبدأ كل واحد في بناء ومحاسبة نفسه قبل أن يحاسب الآخرين، ألا نستحق أن يكون تركيزنا الحقيقي لفهمنا للدين من خلال مبدأ الدين المعاملة، ألا نستحق أن ننشر هذه القيم الرائعة لدينا في الأجيال القادمة في مؤسساتنا التعليمية وفي إعلام واع من خلال برامج هادفة تتمثل في نموذج »بمدرسة الإيجابيين« بدلا من نموذج "مدرسة المشاغبين. فلنعمل سويا في إعادة بناء الشخصية المصرية العظيمة من أجل رفعة بلدنا.