اليوم تخطو مصر الخطوة الأولي في طريق الألف ميل. اليوم يجتمع لأول مرة تحت قبة البرلمان أعضاء مجلس شعب منتخبين بإرادة حرة مستقلة دون ضغط أو تزوير أو تفصيل. وهي خطوة مهمة وفاصلة بين عهدين، عهد كنا فيه جميعاً كمواطنين نقوم بدور المتفرج الذي يعرض عليه الفيلم ولا يشارك في كتابته أو تمثيله أو إخراجه. لذلك أؤمن أن إنجاز تلك الخطوة يعد إنجازاً كبيراً ومحترماً يحسب أولاً للشعب المصري الذي قادته بوصلته الوطنية في وقت واحد نحو الهدف ، لم يلتفت إلي أحداث دامية كانت تجري في ميدان التحرير أو شارع محمد محمود ومجلس الوزراء. لم توقفه الأصوات الصاخبة هنا وهناك من التقدم بثبات وإصرار في طريق الديمقراطية الحقيقية. يحسب أيضاً هذا الإنجاز الكبير للمجلس العسكري الذي أمن الإجراءات وصناديق الانتخاب والمواطن نفسه الذي ذهب بكامل إرادته ليقول كلمته بكل صدق واحترام للمعني الكبير الذي أصبح يؤمن به وهو أن لصوته قيمة. ويبدو أن شهر يناير أصبح رمزاً كبيراً في تاريخ مصر الذي يكتب من جديد فاليوم 23 يناير هو عيد الديمقراطية وبعدها بيومين سنحتفل بعيد ثورة 25 يناير والتاريخان لا ينفصلان بل هما كوجهي العملة لمعني واحد نبيل وشريف لذلك لا يستطيع أحد أن ينكر أن تأسيس أول برلمان وطني بعد ثورة 25 يناير هو أحد أهم انجازاتها وها هو قد تحقق واليوم يجتمع أعضاؤه تحت قبة البرلمان علي اختلاف توجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الفكرية وهذا في حد ذاته مكسب كبير من مكاسب الديمقراطية. وأتمني أن نعطي للمجلس العسكري الفرصة حتي يكمل الجدول الزمني الذي وضعه والتزم به والدليل علي ذلك تحقيق المرحلة الأولي منه بكل نزاهة وشفافية كما شاهدناها وراقبناها وشاركنا فيها من خلال انتخابات مجلس الشعب. الناس الآن تتوقع الكثير من هذا المجلس وتنتظر أداءً مختلفاً تماماً عما كنا نشاهده ونسخر منه ونحن نشاهد جلسات مجلس الشعب مذاعة علي شاشة التليفزيون المصري، كان د. أحمد فتحي سرور يتلو نص القانون المطلوب أن يصوت عليه أعضاء مجلس الشعب بالموافقة أو الرفض فإذا ببعض الأيدي ترتفع وفي لمح البصر ينطلق صوت سرور عبر الميكروفون بكلمة واحدة: موافقة!. الناس في مصر الآن لم تعد كما كانت ولن تكتفي بالسخرية والنكات كما كنا نفعل جميعاً تعبيراً عن يأسنا وحسرتنا من الممارسات السابقة. الناس الآن تطالب بأن يكون التصويت إليكترونياً وأن يكون أمام كل عضو زر يضغط عليه مسجلاً قبوله أو رفضه، أن يتم ذلك بدقة وحسابات وأرقام لا تقبل التقريب، ولتذهب نتيجة التصويت بمجرد انتهاء الأعضاء من الضغط علي تلك الأزرار علي شاشة كبيرة تحت القبة. الأمل كبير في هذا المجلس الذي انتخبناه بملء إرادتنا وعلينا جميعاً أن نقبل بمن اختاره الشعب أياً كان لأنه سيكون في امتحان يومي يقرر نتيجته الناخبون أنفسهم وهذا الامتحان ستحفظ درجاته علي مدي أربع سنوات كاملة هي فترة انعقاد الدورة البرلمانية وبعدها سيكون الحكم الأخير للمواطن المصري الحر. سيمنح ثقته من جديد لمن نجح في الامتحان القاسي وأدي أداءً مرضياً للجماهير وبالتأكيد سيرسب كل من دخل تحت قبة البرلمان للمنجهة أو بمساعدة من عزوته أو لأي أسباب شخصية غير مصلحة الوطن. إنه برلمان المستقبل وحجر الأساس في بناء مصر الجديدة فلنستبشر به خيراً ولنراقب أداءه بعيون مفتوحة وقلوب مخلصة.