تصورت ان أول انتخابات برلمانية بعد ثورة 52 يناير قد جرت. واسفرت عن عدد من الظواهر المقلقة علي رأسها بالطبع أحداث العنف والبلطجة ورشوة الناخبين التي لم تكن حكراً علي أحد دون الآخر من مرشحي الاحزاب والمستقلين. وهذا في حد ذاته يكشف عن الاستمرار في القواعد القديمة للاختيار علي أساس المصالح الفردية والخدمات الخاصة للدائرة التي يقدمها المرشحون، وليس علي أساس رؤية حزبية للقضايا السياسية والاقتصادية والصحية للمرشحين من شباب الثوار أو محترفي العمل البرلماني منذ سنوات بعيدة سابقة. إلي جانب هذه الظواهر السلبية فإن هناك العديد من الظواهر الايجابية ومنها نتيجة الانتخابات نفسها فبصرف النظر عن ان المنافس الوحيد لفلول الحزب الوطني المنحل، كان هو أعضاء حزب الحرية والعدالة جماعة الاخوان المسلمين »المحظورة« »سابقا« فإن النسبة العالية التي حققها حزب الحرية والعدالة هي نسبة كافية، وأقل منها كان كافيا لتأمين الأغلبية للحزب الجديد تحت قبة مجلس الشعب. وهذا في رأي المراقبين السياسيين أهم تطور تشهده الحياة السياسية بعد ثورة 52 يناير التي فجرها الشباب من أبناء مصر، ثم وجدوا أنفسهم خارج الصورة بل وخارج الحياة السياسية في أول اختبار لتحقيق أهداف الثورة! إضافة إلي ذلك فإن أهم نتائج هذه الانتخابات هو ان حزب الحرية والعدالة أصبح هو حزب الأغلبية بعد أن كان سابقا جماعة »محظورة«! وهذا بلاشك مفيد لمستقبل الحزب.. ومستقبل العملية الديمقراطية نفسها مادامت النتائج كذلك.. وهذا ناتج عن أن الحزب وجماعته كانوا قد أعدوا العدة لهذه الانتخابات منذ سنوات سابقة رغم كل المحظورات! وهذا يحسب لهم. ظاهرة انصراف الغالبية العظمي من الناخبين أو عدم تمكنهم من التصويت بسبب طول مدة الاختيار لعدم دخولهم لجنة الاختيار للتصويت والإجابة علي أربعة اسئلة إجبارية حتي لا يرسبوا يبطل تصويتهم سؤالين مجلس الشعب قائمة + فردي وسؤالين لمجلس الشوري قائمة + فردي، والبحث عن نسبة ال 05٪ عمال وفلاحين حتي لا يبطل الصوت، كل هذه الإجراءات كانت تستغرق دقائق كثيرة زادت مع البحث عن رمز العصا والقلم لمرشحي الفردي في سؤال مجلس الشعب ومجلس الشوري أيضا وامتدت طوابير الناخبين خارج اللجان بعد انتهاء زمن الامتحان آسف التصويت ولم يستطع السادة »القضاة« إعطاء وقت إضافي للناخبين قد يضطرون معه إلي الاستمرار إلي اليوم التالي لكي يؤدوا الامتحان والنتيجة علي الله حيث المواطنون كانوا يضعون ورق إجابات الشوري في الشعب وإجابات الشعب في الشوري! هذه الانتخابات جرت بين فريقين انصار حزب الحرية والعدالة وانصار فلول وبواقي الحزب الوطني المنحل وعائلاتهم والقبائل التي ينتمون إليها سواء بصلة القربي أو البيزنس أو المنح والعطايا الموجودة من الرصيد الناتج من عضوية الحزب المنحل او إضافة إلي رديف البلطجية الذين لم يشتركوا في معركة الجمل وساهموا في تسيير أعمال العملية الانتخابية كل حسب تخصصه، بينما ظلت النسبة التي ليست مع هؤلاء ولا هؤلاء علي سلبيتها القديمة لصعوبة الامتحان الانتخاب!.. ما نتوقعه من حزب الأغلبية في المجلس الجديد كثير فحزب الأغلبية مضطر إلي العمل الدائم للحفاظ علي أغلبيته بوجود فريق آخر سيعطي طعما جديدا للعملية السياسية بعد أن تبدلت المواقع و»سبحان الله«! إذا كان ظاهرة الحزب الأوحد تتيح فرصة لغالبية النواب بالتزويغ من حضور الجلسات كما كنا نري في بعض جلسات »سيد قراره« لا يحضرها أكثر من 02 عضوا فلن يكون مسموحا لأعضاء حزب الأغلبية الجديد بهذا الاستهتار لأن غيابهم في جلسة يمكن أن يفيد في التصويت لصالح الكتل المنافسة، كما لن يكون أمام أعضاء حزب الأغلبية الفرصة لملاحقة الوزراء للحصول علي توقيعاتهم بتعيين قريب أو ابن أو استثناء آخر من شروط قانونية في البناء وتراخيص المشروعات وما إلي ذلك من مصالح اعتدنا ان يقدمها النواب علي المصالح العامة للبلاد المتمثلة في التشريع ومراقبة اعمال الحكومة! أما الطرف الثالث في انتخابات العنف 1102 هو أحزاب لم ينجح أحد التي ينبغي أن تراجع مواقفها وأن تغير شعارها الذي رفعته منذ سنوات ليست قصيرة وتمسكت به وهو »نام وارتاح يأتيك النجاح«.. ولكن ثورة 52 يناير فاجأتهم جميعا وهم نيام! فقلبت الأوضاع رأسا علي عقب وأحدثت زلزالا أسقط عروش الفساد والقهر والسلطة.. هذه الأحزاب يجب أن تنصرف طواعية.. أو كرها من أجل تغيير وضعها في الشارع السياسي، طواعية بمراجعة أوراقها والعمل علي تغيير القيادات التي أخفقت في تحقيق مقاعد برلمانية أو تحقيق نسب تناسب التواجد المطلوب للحزب، أما الإكراه فيجب أن يأتي من مجلس الشعب بمناقشة قانون الأحزاب من جديد ومن الممكن مثلا قطع الدعم عن الأحزاب التي لا تتمتع بأي تمثيل برلماني، وجميعنا يعلم ان هناك أعدادا من الأحزاب غير الجادة التي كانت أقصي أمانيها الحصول علي مقر بلافتة وتراخيص صحف يتم تأجيرها لاتجاهات أخري تعارض مبادئ الحزب، فهل من المعقول ان نحافظ علي حزب لديه خمس عشرة صحيفة وليس لديه نائب واحد في البرلمان الجديد! أمام المجلس الجديد قضايا الإصلاح الاقتصادي والسياسي لتحقيق أهداف ثورة 52 يناير، لكن البداية هي في الغاء قانوني انتخاب مجلسي الشعب والشوري الذي اتي بالنواب إلي المجلس بهدف اصلاح القانونين بوضع قواعد لهذا العمل لا تسمح ببقاء المتاجرين بالعمل السياسي دون ان يكون لهم ثوابت حقيقية أو تواجد حقيقي علي الساحة السياسية وتفعيل عمل الاحزاب السياسية.. ان التعديل في سن الترشيح كان أمرا جيدا لأنه أتاح الفرصة أمام الشباب للمشاركة في تحديد مصير ومستقبل الوطن. وأمام المجلس قضايا أكثر أهمية لتحقيق الديمقراطية والحياة البرلمانية والحزبية منها تعديل نظام الانتخابات ليكون بالقائمة وعلي المستقلين أن يدخلوا بقائمة في حالة عدم رضائهم عن كل الأحزاب الموجودة علي الساحة. إذا كنا قد أصبحنا أمام أمر واقع تعاملنا معه، علي الرغم من أنه يفسح المجال أمام فلول الوطني لاقتحام البرلمان، فإن تحالف الأحزاب الذي يضم 52 حزبا سياسيا طالب بأن يكون الانتخاب بنظام القائمة النسبية المغلقة وهو ما كان سيوفر حياة نيابية سليمة علي عكس ما سيسفر عنه النظام الذي تم إقراره في القانون الجديد. إن مجلس الوزراء أعد القوانين واجتمع مع القوي السياسية لمناقشتها وتم طرح رؤيتها لهذه القوانين كتوصيات يتم الاخذ بها إلا ان الجميع فوجئوا بصدور القوانين الجديدة دون احتوائها علي أي نقاط من الاقتراحات المقدمة. وهذا يعيد للأذهان الطريقة التي كان يتعامل بها النظام السابق مع الأحزاب والقوي السياسية عندما كان يجري معهم حوارات يستمع إلي رؤاهم ثم يكتشفون بعد ذلك أنها حوارات في الهواء!