من أجل الجيش .. وليس المجلس العسكري الإنصاف يقتضي منا جميعاً ألا نخلط بين عمل وطني لا يجوز إنگاره وبين عمل سياسي يحتمل الاتفاق والاختلاف هناك من يريد إغراق السفينة المصرية في رحلة إبحارها ، قبل أن تبلغ مرفأها الآمن بفتح باب الترشح للرئاسة في غضون أسابيع معدودة أو أقل من :: حق أي مواطن أن ينتقد المجلس الأعلي للقوات المسلحة، مادام المجلس يباشر عملاً سياسياً هو إدارة شئون البلاد خلال فترة انتقالية مؤقتة تنتهي يوم 03 يونيو المقبل. يحق لأصحاب الرأي والمعلقين السياسيين وشباب الثورة والقوي السياسية وأي أحد علي أرض مصر، أن يعبر عن خيبة أمله من بطء إيقاع المجلس أو حتي عن غضبه من إجراءات اتخذت وكان ينبغي تجنبها، وأخري لم تتم وكان لابد من اتخاذها.. وأيضاً من أخطاء ارتكبت وتأخرت المحاسبة عليها وكان يلزم أن يكون العقاب علنياً وفورياً. لكن الإنصاف يستوجب من الجميع ألا ينسي في غمرة احتجاجه أو تعبيره عن الغضب، أن وطنية أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة هي التي جنبت البلاد مصيراً يشابه الذي انجرفت إليه دول شقيقة هبت عليها رياح ثورات الغضب العربي ضد الاستبداد ومشاريع التوريث. لست أتحدث عن التزام الجيش المصري منذ خروجه من ثكناته إلي الشوارع والميادين يوم 82 يناير الماضي بعدم إطلاق رصاصة واحدة علي أبناء الشعب، لأن هذا الالتزام هو واجب وطني وفريضة، لا يصح الحياد عنها ولا يليق التطرق إليها في سياق مَنِّ أو تفضل. إنما أتكلم عن موقف مشرف اتخذه أعضاء المجلس الأعلي منذ الأول من فبراير، عندما صدر بيان باسم القيادة العامة للقوات المسلحة لم يأخذ حظه من الإبراز ولا نصيبه من الأضواء، أكد تفهم الجيش المصري لمطالب الشعب المشروعة، وانحيازه لها، كما شدد علي أن القوات المسلحة لم ولن تطلق رصاصة واحدة علي أبناء الشعب، وكان الإصرار علي ذكر كلمة »لن« هو دعوة الجماهير إلي النزول للشارع للتظاهر وهي آمنة من أن سلاح جيشها لن يوجه أبداً إلي صدور أبنائها، وقد أثارت هذه الدعوة المغلفة ثائرة مبارك علي أعضاء المجلس واتهمهم بالتآمر عليه. وكانت ذروة الموقف المشرف لقيادات العسكرية المصرية في يوم 9 فبراير، حين لم تتردد في المفاضلة بين مصلحة الوطن وبين الولاء الواجب للقائد الأعلي، وقررت أن مبارك قد انتهي وأن شرعيته زالت.. وكان أن عقد أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة اجتماعهم التاريخي صباح اليوم التالي 01 فبراير، لأول مرة بدون دعوة من القائد الأعلي أو حضوره، ليعلنوا تأييدهم لمطالب الشعب الذي خرج في كل مكان علي أرض مصر ينادي بإسقاط النظام، ويؤكدون أنهم سيظلون في حالة انعقاد دائم. صدرت قرارات المجلس بالإجماع دون أي إحجام أو تلعثم أو مداراة، رغم علم كل الأعضاء أن رءوسهم جميعا ًو بلا استثناء ، سيطيح بها حسني مبارك لو فشلت الثورة! أقول إن الإنصاف يقتضي منا جميعاً ألا نخلط بين عمل وطني لا يجوز إنكاره، وبين عمل سياسي يحتمل الاتفاق والاختلاف، بين دور في إنجاح الثورة لا جدال فيه يستحق معه أعضاء المجلس الأعلي أن نطوق أعناقهم بالتكريم، وبين أداء في الحكم يخضع للنقاش والتقويم ومحاسبة التاريخ. علي أن الأهم في رأيي من المجلس الأعلي للقوات المسلحة ومن قادته وأعضائه مع كامل الاحترام لهم، هو الابتعاد بالعسكرية المصرية العريقة وأعني تحديداً الجيش الوطني المصري عن ميادين التعبير عن الغضب من أداء سياسي محل خلاف، وساحات الجدل والنقار بين المعلقين والنشطاء علي شاشات الفضائيات وأوراق الصحف، وحلبات المزايدة أو تصفية الحسابات بين القوي السياسية.. وأيضاً مذابح القرابين التي يتنافس المتنافسون علي تقديمها إلي آلهة الهيمنة عبر البحار! واجبنا :: جميعاً أن ننأي بجيشنا الوطني عن كل هذا الصخب والضجيج، وأن نتنبه لخطورة الزج به في تلك الميادين والساحات والحلبات، وأن ندرك نتيجة أن أعظم هدية نقدمها لأعداء الوطن هي الإساءة إلي الجيش المصري، وتعميم أي أخطاء فردية ارتكبت علي مؤسسة الجيش برمتها، والانتقاص من دوره المشهود في حماية الثورة، بغرض تحطيم معنويات رجاله، وتحويل عودتهم إلي ثكناتهم بعد أداء واجبهم الوطني، وكأنها انسحاب جبري من ميدان قتال أو تقهقر اضطراري أمام إرادة خصم. والحق أن الإساءة لا تنحصر فقط في مداخلات غير عاقلة أو كتابات تفتقد الرشد، وإنما أبلغ الإساءات التي توجه للجيش المصري وقياداته هي تلك التي تتحلي بأردية براقة خداعة من نوعية تعبير »الخروج الآمن«! هذه العبارة قيلت أول ما قيلت في شأن الرئيس السابق توطئة لإيجاد منفذ لإخراجه من السلطة عند تحول السخط العام إلي ثورة عارمة.. و إذا تأملناها لابد أن ندرك أنها ترمي إلي الحط من شأن قواتنا المسلحة لتبدو وكأنها جيش احتلال مهزوم يبحث عن مخرج، وإلي تحطيم صورة قادته وكأنهم بارونات حرب أو قادة ميليشيات تطاردهم العدالة! بصراحة كاملة.. أقول إن هناك من حاول وفشل في كسر المؤسسة الوحيدة من مؤسسات الدولة التي حمت الثورة ودافعت عنها وظلت طوال عام مضي عصية علي ضربات معاول استهدفت إسقاط عمود الخيمة الصامد لتسقط معه الدولة المصرية. هناك من يؤرقه نجاح الثورة في أولي خطواتها نحو بناء مصر الديمقراطية، وهي انتخاب مجلس الشعب الذي يتسلم غداً سلطة التشريع كاملة غير منقوصة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة. هناك من يريد إغراق السفينة المصرية في رحلة إبحارها قبل أن تبلغ مرفأها الآمن بفتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة في غضون أسابيع معدودة وربما أقل، ثم انتخاب الرئيس الجديد ليتسلم سلطته كاملة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة في موعد أقصاه نهاية يونيو المقبل. سوف تخرج جماهير الشعب يوم الأربعاء المقبل تحتفي بالعيد الأول لثورتها، تحيي ذكري شهدائها الأبرار، وتطالب بتحقيق ما لم يتحقق بعد من أهداف الثورة ومطالبها وهي كثيرة. وسوف :: تبرهن جماهيرنا كما أثبتت في كل محك وعند كل منعطف، أنها المعلم والمرشد لنخبتها السياسية وصفوتها المثقفة وقواها وتياراتها وأحزابها. لا شك عندي في وعي جماهير ثورتنا السلمية، وقدرتها علي احتواء أي نزعات فوضوية، وعلي كبح أي انفلاتات ارتدادية، وعلي ردع أي اندساسات للقوي المضادة للثورة. رغم التحديات والمخاوف والفزاعات، مازلت أشعر بتفاؤل مثل الذي غمر قلوبنا غداة يوم 11 فبراير الماضي.. وأكاد أري أمامي مشاهد تتري.. للقضاة يعلنون أحكامهم العادلة في شأن رأس النظام السابق وأعوانه.. لأعضاء الجمعية التأسيسية ينتهون من وضع دستور يعبر عن كل فئات وطوائف المجتمع.. لرئيس الجمهورية المنتخب يؤدي القسم أمام البرلمان ويتسلم السلطة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. للجيش المصري يعود إلي ثكناته مكللاً بتقدير الشعب وعرفانه، ليحمي بكل جسارة وفدائية الثغور والحدود.. لقادة الجيش وهم يتقلدون أوسمة التكريم في احتفال مهيب تحت قبة البرلمان. سوف :: تحتشد الجماهير يوم الأربعاء في الشوارع والميادين تبني علي ما حققت في العام الأول من عمر ثورة يناير، ويقيني أنها لن تسمح أبداً بتقويض ما أنجزته ودفعت ثمنه أرواحاً طاهرة ما كان لها أن تزهق ودماء غالية ما كان لها أن تسيل لولا إجرام النظام السابق.