دخلت مبني »أخبار اليوم« عام 5591 لأتحول من قارئة للصحف التي أحبها إلي عالم الكتابة، كان مكتبي الذي أغرق فيه في الإنتاج الأدبي للقراء لأعرضه علي الأستاذين مصطفي وعلي أمين في الدور الثاني حيث تقع مجلة »آخر ساعة« ومن هذا المكان بدأت عملي الصحفي مع الأستاذة الراحلة فتحية بهيج وكانت مسئولة عن باب المرأة في »آخر ساعة«.. وكنت أراه في الممر وعند الأستاذة فتحية بهيج، كان يبدو مثل باشوات زمان يرتدي ملابس كاملة، وتعارفنا عن طريق أستاذنا الراحل صلاح هلال، كانت هذه هي البداية مع زميل العمر صلاح منتصر الذي كان وقتها نجماً من نجوم »آخر ساعة« الذي كان يصطاد التحقيقات بعيني جواهرجي ويعرضها، وقد مزجها بأسلوب سهل ممتنع، كانت تسبقه ابتسامته التي تتحول إلي ضحكة ثم قهقهة تملأ المكان، لم يكن يجاريه أحد في التحقيقات ولا يجاريه أحد في إطلاق النكت، ومازال صلاح حتي الآن يشع مرحاً في أي مكان يتواجد فيه. انحاز صلاح منتصر للإنسان في كتاباته، يختار الكلمة التي تساند القضية في سلاسة ويسر وتدخل القلب سواء قلب القارئ أو قلب المسئول فيكسب للقارئ قضاياه بضربة قلم.. لو صح التعبير. واصطاده الأستاذ هيكل مع صيده الثمين من شباب »آخر ساعة« ليدعم به الأهرام حينما رأس تحريره واختار صلاح موقعه في الأهرام وأصبح في القلب.. قلب القارئ منطلقاً من قلب المشاكل. افتقدت لقاءاته في الدور الثاني وتنامت قدراته الصحفية حتي وصل إلي رئيس مجلس إدارة أكتوبر ورئيس تحرير المجلة، وكلما حل صلاح منتصر في صفحات جديدة كلما غير من الشكل والمنطلق ولكن تظل وجهته القارئ والوصول بالإنسان المصري من خلال الكلمة إلي عملية إصلاحية منضبطة عن طريق عرض بالغ الجاذبية يورط أي مسئول في الاستعدال. أسرفت في المقدمة ولكن الدهشة هي التي وجهتني لهذه المقدمة.. والدهشة والإعجاب بكتابه الجديد »مبارك الصعود والسقوط من المنصة إلي المحكمة«. من أول العنوان حتي صفحات الوثائق في آخره لقد أمسك كتاب صلاح بتلابيب عيني وعقلي رغم صفحاته التي تقترب من الثلاثمائة.. كانت جملته العبقرية في الفصل الأول »يوم المنصة وقف السادات يواجه المعتدين فأصبح شهيداً واختفي مبارك تحت الكراسي فأصبح رئيساً«. الكتاب ضرورة لأن صلاح منتصر استطاع أن يجمع آراء وأحداثاً من مصادرها لم يكن من الممكن أن نتوصل إليها إلا عن طريق هذا الكتاب، وقد استطاع أن يحيط كتابه الوثيقة بكل الشخصيات التي كانت طرفاً في كل حدث وكل لحظة. الرائع في الكتاب أنه جافي أسلوب كتب التاريخ الشديدة الجفاف وخلع علي الأحداث أسلوبه السلسل ولم يجعل من نفسه مجرد سارد للحدث بل سكب من إنسانيته بألفاظ منتقاة من عموده الجذاب »مجرد رأي«. وكان شديد الصدق في إنقاذه لضمير الأمة التي كثر اللغط وتكررت كلمة عشنا ثلاثين عاماً من الفساد وعرض بصدق كيف أن الإنسان المصري ليس بهذه القيادة والاستسلام ولم يكن مخلصاً لمبارك في أول الطريق وحتي المنتصف، بل هب المصريون للقائه في سعادة لإنقاذه من حادث الاغتيال في أديس أبابا. لقد أنقذ كيمياء المصريين في علاقتهم بالحاكم حينما يعطي، ثم سخطهم حينما يدب الفساد في أوصاله نتيجة لأمراض الكرسي وأمراض الحاشية هذين المرضين اللذين يصيبان أي حاكم حينما يعصي عليه ترك الأبهة والهيلمان بداية من الينوفيس الثالث أبو اخناتون إلي مبارك أبو جمال. الكتاب كأنه معزوفة سيمفونية تتخللها إيقاعات شعبية تثبت أن زميل العمر صلاح منتصر تمكن منه حب القارئ فلا يريد أن يحرمه من معلومة أو حادثة تكون مهمة تربط التاريخ بالواقع وتنصف الثوار في أسباب وصولهم إلي هدم المعبد ولم يترك أيضاً شاردة ولا واردة، أعطي للقارئ الحق في المعرفة والحق في التتبع والحق في المعلومة الصادقة التي تتحول إلي تاريخ. والكتاب يعطي للتاريخ حقه علينا في أن يصلنا واستطاع عمود »مجرد رأي« أن يكون العمود الفقري للكتاب. وبذل جهداً مضنياً سوف يحسبه له التاريخ في جمع كتابه الوثيقة من الشخصيات التي غرقت في الحدث وعاشت نبضه من دهاليز قصر الرئاسة إلي شباب التحرير وحتي دم الشهداء. لم يتركه الكاتب.. الدهشة تغلبني كيف أن صلاح منتصر الكاتب الذي استطاع دائماً أن يلف كتاباته بأسلوب بسيط مرح.. كيف استطاع أن يحول الكتابة التاريخية الموثقة إلي عمل صحفي والعكس فقد مزج الصحافة بالتاريخ فأصبح سلساً بسيطاً يصل إلي العقل بسهولة، لم يحرم القارئ من مقارنة إنذار ثورة 25 لفاروق بإنذار ثورة 52 يناير لمبارك وآخي الإنذارين. وأسجل هنا حنكة الكاتب في تسجيل واقعة مهمة وهي عند انسحاب الشرطة وعمت الفوضي فكر مبارك أن يعين نائباً للرئيس بعد أن رفض شغل المنصب لثلاثين عاماً وأنه حاول مع المشير حسين طنطاوي طويلاً لقبول المنصب ولما أصر المشير علي الاعتذار اتجه للواء عمر سليمان، كما سجل أيضاً إصرار الجيش علي مساندة الثورة بتأييد التحرير في مطالبة مبارك بالرحيل وفي مخاطبة الشعب منذ أول بيان إلي شعب مصر العظيم والذي أكده في نشر فقراته كاملة وهذه وثيقة مهمة للشعب. ومن أعماق الحدث سجل صلاح دفاع أحمد عز عن قرار عدم حل مجلس الشعب وأن صفوت الشريف وزكريا عزمي انفردا بمبارك واقترحا عليه استرضاء ميدان التحرير وأن يضحي ببعض رجاله قبل يوم الجمعة ويلقيهم للنائب العام للتحقيق معهم بما يحسن صورة النظام فمنع من السفر خارج البلاد حبيب العادلي وأحمد المغربي وزهير جرانة وبعض المسئولين. وتذكر د. زكريا عزمي أن رشيد محمد رشيد رفض الوزارة بعد أن كلمه زكريا عزمي ثم جمال مبارك ثم الرئيس نفسه ولكنه أصر علي الرفض وسافر خارج البلاد ففاجأة زكريا عزمي بأن يضم اسم رشيد إلي الذين أرسلت أسماؤهم إلي النائب العام. لقد سلط منتصر الضوء علي أشياء كثيرة في الكواليس كان لابد أن تصل إلي الناس وكأنه لابد أن يرصدها التاريخ فلم تفلت من المؤرخ الحديث صلاح منتصر ورصد وصول د. حسام بدراوي إلي أن يعطيه مبارك في لحظة سقوط مدو لصفوت الشريف وزكريا وجمال وعز أن يسند إليه رئاسة الحزب. ولا أعتقد أن الشباب كان من الممكن أن يجد من يسجل فكرهم وبراءتهم وإصرارهم علي خوض معركة ضارية بشبابهم الغض. لقد سجل موقف وائل غنيم وبكاءه لمصطفي النجار وكيف أن المخرج عمرو سلام تعرض للضرب حتي الموت من زبانية العادلي وأن مصطفي النجار ابتكر شعار »نقدر« قبل أوباما وأن عمرو سلامة قال الضربة التي لا تميتني تقويني وأنه قال كرهت مصر ثم تذكرت انتمائي، تذكرت أن انتمائي لها ليس إجباراً بل اختياراً حتي أنني أرددها مع عبارات عبقرية خرجت من فرط الألم. ومقولة مهمة لمصطفي النجار »عضو مجلس الشعب الآن عن مدينة نصر«: »باستطاعتكم أن تختاروا النهاية«. لقد أصبح كتاب صلاح منتصر وثيقة وتحول إلي مؤرخ من طراز عصري يستطيع أن يوصل أحداث ثلاثين عاماً بما فيها من أفراح وأتراح من أول دراما المنصة حتي مبارك خلف القضبان والثوار مازالوا في التحرير وسوف يصلون إلي تحقيق مطالب الشعب وليست مطالبهم فقط وهي كما سجلت مع وثائق نهاية الكتاب: 1 رحيل الرئيس من السلطة ومحاكمته محاكمة عادلة عما ارتكب طوال ال03 عاماً من حكمه من انتهاكات للقانون والدستور وحقوق الإنسان ومحاسبته علي مصادر ثروته. 2 حل مجلسي الشعب والشوري لثبوت تزوير الانتخابات لأن بقاءهما غير دستوري. 3 تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة البلاد لفترة انتقالية طبقاً للدستور الحالي يتولي خلالها الإعلان عن تأسيس جمعية وطنية لوضع دستور جديد للبلاد علي أن يترأس هذه الجمعية الفقيه الدستوري د. يحيي الجمل يتم بعدها دعوة الشعب للاستفتاء علي الدستور. 4 تشكيل حكومة انتقالية لتسيير الأعمال تشارك فيها كل القوي المعارضة. 5 تولي الجيش حفظ الأمن والحفاظ علي الممتلكات العامة والخاصة. 6 تولي الشرطة العسكرية مهام الشرطة المدنية لحفظ النظام في البلاد. 7 عزل قيادات الشرطة ومديري الأمن وقيادات أمن الدولة والأمن المركزي ووضع ضباط وجنود الشرطة تحت تصرف الشرطة العسكرية. 8 التحفظ علي المسئولين السابقين ومنعهم من السفر تمهيداً لتقديمهم إلي محاكمة عادلة. 9 تجميد أموال المسئولين السابقين وأسرهم لحين معرفة مصادرها. 01 الاعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية وفقاً للدستور الجديد حال الانتهاء منه بعد إقراره من الشعب في استفتاء عام. وهذه كانت مطالب التحرير وقد تحقق منها 1، 2، 4، 5، 6، 7، 8. أما البند التاسع فقد نفذ بعضه أما معظم الأرصدة فقد تم تهريبها في الفترة التي تركتها الحكومة فرصة سعيدة لهم للتهريب والبند العاشر تحت الإعداد. ولكن هل نجح أذناب الفساد في ضرب الثورة حتي الموت؟ هل يبحثون عن فرصة للانقضاض علي مصر في هذه الفوضي العارمة؟ لا أعتقد لأن هذه هي المعركة الحقيقية لجيش مصر العظيم من أجل شعبها العظيم.. أنا من الذين يؤمنون بالاستشعار عن بعد.. ومصر جاية.. قادمة وحركة التاريخ مع الشباب بالرغم من انني من الذين وهن العظم منهم »الهشاشة« واشتعل الرأس شيباً. قبل الطبع كيف نوصل هذا الكتاب الضرورة للناس؟ هذا كتاب بلاغ للناس ومرصد للتاريخ.. لابد من إخراج طبعة رخيصة تكون في متناول الجميع.. أسلوب الكتاب يصلح أن يتحول إلي عمل فني.. مسلسل أو فيلم طويل ليصل إلي عدد أكبر ويمكن أن يدخل في مقرر القراءة الحرة في المرحلة الثانوية ولابد من عمل ندوة موسعة له في معرض الكتاب.