هل يمكن ان تستمر الحكومة في تحمل الأعباء الثقيلة الناتجة عن الخسائر المتكررة لأجهزة الإعلام والمؤسسات الصحفية القومية؟! سؤال مهم فشلت حكومة الخصخصة في اجابته.. كما فشلت حكومات الثورة المجيدة في يناير في ايجاد اجابة له. واعتقد ان الدكتور كمال الجنزوري رئيس حكومة انقاذ الثورة -كما يحب ان يسمي نفسه- لم يصل بعد إلي اجابة شافية تريحه من صداع المؤسسات الصحفية الحكومية وكذا جهاز الإعلام الرسمي الذي يخسر بالمليارات سنويا. صحيح ان الدولة تحب السيطرة علي جهاز إعلامي رسمي.. والحكومة تخشي ان تجد نفسها في الهواء بلا أجنحة تتقاذفها التيارات الإعلامية المختلفة.. وتطيح بها في الفضاء فلا تجد من يدافع عنها.. ثم ان الحكومات وهيئات الرئاسة والحكم المتعاقبة علي مصر منذ مايو 1691 تاريخ تأميم الصحافة تعودت ان تسيطر علي الإعلام والصحافة. ولهذا عاش الإعلام المصري مأساة ذات أبعاد مختلفة.. بُعد الفكر المسيطر وقد لا نسميه فكرا.. إنما هو وحي وإلهام الحاكم يمليه علي الكاتب الذي قد يكون هو ملهم الحاكم.. وقد يكون كاتب خطب الحاكم.. وفي نفس الوقت هو رئيس المؤسسة ورئيس التحرير.. وظهر عندنا رئيس المؤسسة ورئيس التحرير الذي يبقي في كرسيه ربع قرن من الزمان.. باعتباره فلتة زمانه.. وقد يكون هو النقيب أيضا.. يدير المؤسسة والنقابة بتوجيهات الحاكم والحكومة.. ولا يخفي علي أحد أن هذا الزمن استمر طيلة 05 سنة.. خمسون سنة والاعلام المصري يدور في حلقة مفرغة.. القيادات الصحفية هي هي.. لا أحد يخرج عندما يحل سن التقاعد.. لا أحد يترك مقعده لشاب واعد في عالم الصحافة أو كفء من الكفاءات الصحفية التي خطفتها الصحف العربية والمصرية الخاصة.. وكأن الدنيا توقفت عند هؤلاء الأشخاص.. هم أنفسهم أصحاب المناصب العليا في الصحافة.. وهم في نقابة الصحفيين.. وهم في المجلس الأعلي للصحافة وهم أنفسهم في مجلس الشوري.. حواري صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري ورئيس المجلس الأعلي للصحافة.. استمر هذا الكابوس طيلة الخمسين سنة الماضية.. حتي تحولت المؤسسات الصحفية إلي عزب وضيعات لأهل الحظوة.. والحظوة إلي قلب الرئيس المخلوع.. وتغاضت الحكومة عما يجري في المؤسسات الصحفية والإعلامية.. وانتشر الفساد.. ولم يجد رئيس مؤسسة من يردعه.. وانتشر الظلم.. وكانت شكاوي المظلومين تصعد إلي السماء.. فلا أحد علي الأرض يسمع شكوي مظلوم في عهد الفساد والديكتاتورية والتعتيم الإعلامي.. وغابت النصوص القانونية.. وغابت الهيئات الشرعية التي يجب ان تسأل وتتحري فقد نامت الجمعيات العمومية في احضان مجالس الإدارات ورؤساء المؤسسات ولم تعد لهذه الهيئات ادوار فاعلة أو حتي أي نوع من أنواع الملاحظات والانتقادات.. كما نام الجهاز المركزي للمحاسبات في حضن المؤسسة.. وإذا تم اتخاذ أي إجراء يراجعه الجهاز.. وكله بثمنه! لكن هذا العهد انتهي.. وتطهرت مصر.. وجاء شباب 52 يناير ليقضي علي الظلم والفساد.. ويطلب الحرية والعدالة الاجتماعية والخبز للفقراء والعلاج للمرضي.. والتعيين للشباب.. ونجحت الثورة واليوم نجني ثمار عام مضي عليها في احتفال رسمي وشعبي.. يستحق منا الشكر لكل من ساهم فيها ابتداء من شباب 6 أبريل وكفاية وجماعة الإخوان والليبراليين والسلفيين ولا يمكن ان ننسي الدور العظيم للقوات المسلحة في حماية الثورة من الثورات المضادة التي يقودها فلول النظام السابق.. كما نشيد بالدور الذي بدأت تقوم به قوات الشرطة بقيادة اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية في حفظ الأمن وعودة الاستقرار إلي الوطن والمواطن. اعود إلي هيكلة المؤسسات الصحفية ووقف نزيف الخسائر المستمر حتي الآن في المؤسسات الصحفية.. لابد ان يبدأ بتحديد رؤية استراتيجية للمؤسسات الصحفية.. هل هي لخدمة الحكومة والرئيس أم هي لخدمة الوطن والمواطن.. هل تأتي معلوماتها إلي القارئ من أعلي.. أم انها الأقرب للمواطن ومشاكله. اذن لابد من تحديد الهدف.. وبناء عليه يتم وضع الخطط والبرامج التي تنفذ هذا الهدف.. ويحتاج ذلك إلي إعادة هيكلة اقتصادية للموارد وحسن استخدامها بكفاءة وفعالية.. سواء كانت موارد بشرية أو مادية.. نحن نحتاج إلي صحافة عصرية.. تواكب الإعلام الجديد الذي انتشر في العالم وأصبح موجودا في مصر.. مثل المواقع الاليكترونية والبوابات والمدونات الصحفية.. والرسائل الاليكترونية القصيرة..كما تستخدم في التسويق والإعلانات.. وقريبا ربما تنتهي الصحافة المطبوعة.. وان لم تنته ربما تتقلص.. فلم يعد احد يقبل علي المجلات المصورة.. وأصبحت الاصدارات تمثل أعباء اقتصادية خطيرة تضر باقتصاديات المؤسسات الصحفية.. لم يعد مقبولا ان تستمر مجلة في الصدور لا يقرأها سوي العاملين بها!! كما ان المؤسسات الصحفية لا تواكب التطورات الطباعية الجديدة.. خاصة المطابع الحديثة التي تطبع اعدادا خاصة للتسويق والإعلان مثلا أو الموضة والديكور.. وكل هذه النوعيات تطبع -للأسف- في بيروت ولندن وقبرص. ومن الأعباء الخطيرة بالمؤسسات الصحفية الكثرة العددية في الوظائف الإدارية والاشرافية والخدمية.. وعدم الاهتمام بالمهارات الفنية والتقنية المطلوبة لتطور العمل الصحفي رغم الدورات التدريبية العالية التي توفرها نقابة الصحفيين.. وأكبر دليل علي ذلك اننا لازلنا نكتب الموضوعات والتحقيقات والأخبار والمقالات علي الورق.. رغم وجود الكمبيوتر.. ولا توجد شبكة اليكترونية تربط رئيس التحرير ومديري التحرير ونواب رئيس التحرير ورؤساء الأقسام والمحررين والمطبعة بأجهزتها المختلفة! اذن نحن نحتاج إلي منظومة اصلاح اقتصادي واداري وفني في المؤسسات الصحفية.. تعمل علي خطة تنتشلها من الخسائر إلي الأرباح الحقيقية.. وليس المدعومة من حكومة مفلسة.. أو قروض تحمل الاجيال القادمة اعباء جديدة.. كما نحتاج إلي قيادات تعمل بشفافية ووضوح.. وتتعامل مع أصغر عامل نفس المعاملة لأكبرهم.. قيادة متصالحة مع نفسها ومتوافقة مع الجميع مهما كان الاختلاف في الرأي أو وجهة النظر.. قيادة تراعي مصلحة المؤسسة والعاملين بها قبل ان يسأل هو »حيقبض كام؟!« اذن المسألة ليست رؤية حزب معين انما هي رؤية مجتمع يجب ان نسمعه.