ذات مرة سألني أحد المتسولين: »لله.. حسنة قليلة تمنع بلاوي كثيرة.. هنيالك يا فاعل الخير« وبمجرد أن أعطيته مما أعطاني الله قلت له: أنت تتمتع بصحة جيدة.. عندي وظيفة لك بأجر ألف جنيه شهريا، ويمكن أن تستلم العمل خلال أيام.. وظيفة شريفة تغنيك عن مذلة السؤال.. لكن رده جاء صادما: »ألف جنيه ايه يابيه.. أنا كده لا شغلة ولا مشغلة والايراد فل الفل وعال العال«. تذكرت حكاية ذلك المتسول عند قراءة تصريح الكاتب الأمريكي توماس فريدمان للزميل المتميز مجدي كامل »بالأخبار« منذ أيام.. حيث حذر المصريين من خطر المساعدات الأمريكية وطالبهم برفضها لأنها تعد تخريبا للديمقراطية المرتقبة بعد الثورة.. وقال بالنص: »لا مساعدات بدون مقابل«! وليس خافيا أننا نعلم تماما ما ذكره فريدمان.. نعلم منذ عقود النهب في عهد النظام السابق وحتي الآن أن »من يعطينا بالشمال يأخذ باليمين« وأنه لا مساعدات ولا قروض لوجه الله.. إنما للتأثير علي قراراتنا والتدخل في سياساتنا بالطريقة التي تخدم مصالح أصحاب الأيادي البيضاء.. مصالح ينفذها المانحون علي طريقة »قل ولا تقل.. افعل، ولا تفعل«!.. نعلم كل هذا لكننا نتناسي تارة، ونتغابي تارة أخري، حتي أصبحنا أقل شأنا من المتسول الذي يمد يده ليل نهار»!«.. فهذا المتسول رغم اعتياده الذل والمهانة ووقوعه بإرادته تحت رحمة الكسل و»التنبلة« فهو في النهاية.. فرد.. أما علي مستوي الدولة فإن المصيبة أكبر وأعظم.. أكبر لأن المساعدات والقروض بجانب سلبها لإرادتنا وتعديها علي سيادتنا، فهي تصيبنا بمرض الديون الذي نورثها لأولادنا وربما لأحفادنا.. وأعظم لأن ذلك يلغي حافزنا ودافعنا إلي العمل.. وبمرور السنين يعطل طاقتنا وامكانياتنا الانتاجية.. بل ويحولنا من دولة منتجة إلي سوق مستهلكة لمنتجات الغير.. وهذا ما يحدث الآن جراء سنوات الضياع والخراب التي حكمنا فيها المخلوع وعصابته الفاسدة.. عمليات السلب والنهب للمال العام كانت تتم تغطيتها بالقروض والمساعدات الخارجية التي أملت شروطها علينا في العديد من القضايا.. والمجالات الاستراتيجية للانتاج تعثرت وتعطلت.. وفي المقابل انتعشت ونهضت برامج الاستيراد لدرجة أننا أصبحنا نستورد الثوم والبصل والفول الذي كان يفيض عن احتياجاتنا واحتياجات »عليقة الماشية« ويصدر للخارج! جاهل من يعتقد ان الدول المانحة »من همومنا لا تنام الليل« وأكثر جهلا من يتخيل أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تريد الديمقراطية للدول النامية.. لأن الديمقراطية تعني الحريات وإعلاء كلمة الشعب.. وبالتالي غياب دور الحاكم الديكتاتور الذي ينفذ أجندتها حتي يظل ملتصقا علي كرسي العرش.. وكذلك لأن »الاستعمار الاقتصادي« أسهل وأرخص بكثير حاليا من الاستعمار التقليدي الذي كان سائدا في الماضي! وثمة سؤال تتدافع كلماته بإلحاح: إذا كانت الحكومة وأنظمة الحكم هنا وهناك تقبل تعاطي المساعدات الأمريكية والأوروبية عن طيب خاطر، فكيف نلوم منظمات المجتمع المدني إقدامها وإقبالها علي نفس التعاطي؟! مصر غنية بعقولها وثرواتها أيها السادة.. أعيدوا الأموال المنهوبة.. صادروا ممتلكات الفاسدين.. اعطوا العمال والموظفين حقوقهم حتي يتعاظم الانتاج.. بهذا يتبدل حالنا من الفقر إلي الثراء... ولا نقول للخبثاء: »لله يا خواجات«! أقول لهم: الإخوان: »صلوا علي النبي كده.. صحف قومية إيه اللي عايزين تفككوها.. لاحظوا أن مصر أصبحت أقوي من هيمنة الحزب الواحد«. السفير الإسرائيلي: »أنت تعلم لماذا لا تجدون مقرا للسفارة في أي عمارة حتي الآن«! حبيب العادلي: »واضح أن الشيطان ضاحك عليك.. فووووق.. أنت متهم ومذنب«!