علي أوسع نطاق انتشرت ظاهرة التسول في الشارع المصري وبات الأمر مقلقا إلي حد بعيد، واتخذ التسول أشكالا عديدة تبدأ من الشكل التقليدي الذي نشاهده علي مدار الساعة في الشوارع، حيث يبرز المتسول إحدي العاهات الحقيقية أو المصطنعة ويرتدي الملابس الرثة والممزقة ويبدأ في تشغيل الاسطوانة المشروخة التي تبدأ غالبا بعبارات المسكنة والاستعطاف والدعاء. وهناك شكل آخر من أشكال التسول حيث تجد شخصا يلبس أفخر الثياب وتبدو عليه علامات الاحترام ثم يقترب منك في هدوء وأدب وبكلمات مهزوزة ومترددة يخبرك بأنه فقد حافظته ونقوده ويحتاج فقط إلي جنيهات قليلة حتي يتمكن من الوصول إلي مسكنه ومن الممكن أن يعطيك رقم تليفونه المحمول أو يطلب هو رقم تليفونك حتي يمكنه رد هذا المبلغ فيما بعد. وهناك شكل ثالث من أشكال التسول بدأ ينتشر في المجتمع المصري بشكل سريع حيث تجد شخصا يتصل بك علي هاتف العمل الثابت ويسأل في ثقة حضرتك فلان بك أو فلانة هانم؟ فترد بنعم أنا فلان مين حضرتك؟ فيجيب أنا اللواء فلان الفلاني من إدارة كذا، فتقول تحت أمر سيادتك فيقول لك حاجة أو مصلحة أو خدمة في إدارة كذا فتقول له ألف شكر سعادتك، فيعود إلي عرض خدماته في إلحاح شديد وترفض أنت كذلك في شياكة شديدة وتسأله في أدب: هل أستطيع أنا تقديم خدمة إلي سيادتك؟ فيرد لا والله ليست لي ولكنها لله. ويضيف نحن القائمين علي جمعية كذا الخيرية التي تهتم بأبناء الشهداء أو تهتم بزوجات السجناء إلي آخر تلك الأسماء والمسميات حتي يخيل لك من كثرة تلك الجمعيات أن يتصل بي أحدهم ليخبرني بأنه من جمعية كذا التي تهتم بسلالات النمل المنقرضة أو الفراشات المحترقة وبعد أن يقوم بشرح أغراض جمعيته وأهدافها النبيلة لخدمة المجتمع المصري ويستمر الرجل في الحديث عن أثر فعل الخير علي النفس وعن فوائد الصدقات التي تطهر النفس وتعالج المرضي ثم يتوقف قائلاً إننا نعلم أن سيادتك رجل خير ومعروف في مصر كلها بالمسارعة إلي الخيرات ونحن بصدد جمع أكبر قدر من الأموال خلال شهر رمضان المعظم.. وأمام هذه الروايات المحكمة لا يمكنك إلا أن تصدق فتبدأ في السؤال عن آلية الدفع وما إلي ذلك ثم تفاجأ بعد أيام قليلة بنفس الشخص وبنفس الاسم يكرر نفس القصة مع زميل أو قريب مع تغيير اسم ونشاط الجمعية حيث من الممكن أن يكون النشاط هذه المرة إقامة مؤتمر ضخم يناقش قضية العنوسة والطلاق والمخدرات وصولا إلي الزواج العرفي وزواج المسيار. وهناك نوع رابع بدأ ينتشر خاصة في موسم الانتخابات وهو التسول الإعلاني عبر الصحف والنشرات الإقليمية التي تصدر في الأقاليم ويديرها مجموعة من المرتزقة الذين لا يحملون من الشهادات إلا شهادات الزور والعمل به يبدأ الواحد من هؤلاء في الاتصال بالمتحرقين شوقا إلي الحصانة البرلمانية حيث تبدأ رحلة نصب الشباك علي المرشح بنشر صورة وصور معارفه وأصدقائه وتبدأ الصحيفة في نشر المتابعات الصحفية للانتخابات. وبالطبع سيتم طرح اسم الزبون علي أنه أحد فرسان الرهان الذي يمكنه أن يقلب موزاين الدائرة ويضع الحزب الوطني وجميع الأحزاب الشرعية في مأزق. وبهذا التضليل، الحكاية لابد أن تكبر في دماغ صاحبنا ويتخيل أنه حتما سيكون داخل المجلس في الدورة المقبلة ويستمر مسلسل الاستنزاف والابتزاز بنشر التهاني والتعازي لهذا المرشح المسكين الذي ركبوه الناقة وتركوه يواجه مصيره في الصحراء. إنني شخصيا تعرضت للأنواع الثلاثة الأولي وأدعو الله ألا يعرضني للنوع الرابع نهائيا.. والسؤال: كيف نواجه هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة؟ إن الصورة باتت مقلقة ومفزعة في الداخل والخارج وبدأ المتسولون يبحثون عن آليات وطرق جديدة ومبتكرة للنصب تارة بالدق علي أوتار القلوب وتارة باسم الدين وتارة باستغلال طموحات المشتاقين إلي الدخول في حلبة السياسة إن القضية تحتاج إلي مواجهة مجتمعية وقانونية وإعلامية وتعليمية شاملة وأدعو الجميع لفتح هذا الملف علي مصراعيه حتي نتمكن من وضع الأمور في نصابها الصحيح.