ما من شك أن البعض يساوره الشك في أن يعيش إذا عادت مصر إلي مجدها وعزتها وقوتها فهم يريدون أن تبقي مصر في حالة »البين بين« لا عزة ولا كرامة ولا اختناق لحد الموت. اعتبروا أن الثورة إنما حدثت نتيجة وصول الشعب إلي مرحلة الجوع والفقر والاستبداد والقهر فما كان منهم إلا أن حاولوا إبطاء عجلة الثورة والتشكيك في بعض أركانها العملاقة حتي تهدأ النفوس وتعود إلي مرحلة »البين بين« مستخدمين كل أسلحتهم من خلال عملاء في الداخل لبث عدم الاستقرار واستخدام متهورين كورقة في تأجيج النيران والانقسام بين أبناء الوطن الواحد وقطع أو إبطاء المعونات والقروض الاقتصادية وتغليفها بشروط تزيد من حالة التذمر بدرجة ما! في كثير من الحوارات واللقاءات مع بعض المفكرين في الداخل والخارج يتحدثون بتعجب شديد في رد الفعل المصري للأحداث فهم يحارون كثيرا في معرفة هذا الرد بل يعتبرونه ضربا من المحال وقد كانت ثورة 52 يناير نوعا من هذا الرد والمحال فالكل لم يتوقع ان يسقط نظام استمر ثلاثين عاما في 81 يوما بلا طلقة حية أو خرطوش. وها أنا أدعو جميع المصريين بمختلف أطيافهم وفئاتهم أن يهبوا لتعليم العالم نموذجا آخر لا يقل عن ثورة 52 يناير في عيدها الأول.. ادعو أولا المواطنين الذين غلب النظام عليهم ووضعهم في فئة خارج حدود الزمان والمكان وكأنهم حاجة زائدة لا نفع فيها والتخلص منها بتركها في الشارع ما بين صبية أو بلطجية أو المسجلين خطر فالكل حسب طبيعته قهرته الظروف قبل أن يتحول إلي كتلة ملتهبة تحرق الأخضر واليابس أن يعودوا الي احضان الوطن.. ادعو المواطنين الوطنيين ان يأخذوا بيد من لا يؤمنون بأهمية الوطن وتعريفهم بأنه السكن والمأوي لكل جراحنا حتي وإن ضن علينا.. ادعو المثقفين والإعلاميين والمفكرين أن يضعوا الوطن نصب أعينهم ولا يضعوا أعينهم علي مصالحهم فليس كل صحيح يصلح أن يطبق في زمن ما وإنما الأفضل أن ينتظر حتي يأتي زمنه فيصير قلبا وقالبا وليس جدالا وعراكا.. ادعو المجلس الأعلي للقوات المسلحة لأن يعترف بما ارتكبه من أخطاء سواء بقصد أو بدون قصد أثناء الفترة الانتقالية ويضمد جراح أهالي الشهداء والضحايا بالكلمة الطيبة فهي أغلي من أي قصاص وإن وجب تحقيقه.. أدعو الشرطة أن تعلن توبتها عن أسلوبها الهمجي وتفتح صفحة جديدة لا يخضبها دماء أو يلوثها ظلم الأخ لأخيه. إننا جميعا في وطن واحد سواء المظلوم أو الظالم منا وواجبنا أن نأخذ الحق من الظالم للمظلوم ثم نعفو حتي تستمر الحياة ولدينا الكثير الذي يمكن أن نتعلمه من مواقف رسولنا الكريم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم كيف كان شديد البأس لأخذ الحق وكيف كان عفوا بعد إعادة الحق لأصحابه. أدعو جميع المصريين أن يلتفوا يوم 52 يناير والاحتفال الأول لثورتنا المجيدة حول مصر فهي في حاجة إلي سواعد ابنائها لإنقاذها من عثرتها والسير بها نحو ما تستحقه من مكان ومكانة بين العالم وأن نصم آذاننا عما يعوقنا ونغمض أبصارنا عما يريد أن يضلنا عن هذا الطريق. أتوقع وآمل أن يتم الاحتفال في هذا اليوم بحضور جمع غفير من جميع فئات الناس من قيادات الجيش والشرطة وأهالي الشهداء والمصابين وجميع الأحزاب والقوي السياسية وأطفال الشوارع وما يسمون بالبلطجية لعلهم يعودون إلي صوابهم والمواطنين سواء أكانوا رجالا أو نساء.. شبابا وفتيات والكل تتشابك أيديهم تحت كلمة كلنا مصريون عازمون علي إعادة العزة والمجد لبلدنا، وأن تتناثر الورود وتنطلق الأغاني الوطنية والألوان الجميلة في السماء فإنه يوم مشهود مثل يوم 6 أكتوبر. ادعو إلي صفحة واحدة بيضاء يكتب فيها جميع المواطنين انها مصر يا عزيزي! عزيزة بأبنائها وعلي أبنائها وليجمع العالم كل الهاكرز فإنه لن يستطيع أن يسرق أحلامنا وآمالنا أو أن يسلب بوصلة حبنا لها.