من أراد من شبابنا أن يفهم لماذا قامت ثورة 25يناير، وماهي البواعث النفسية التي عجلت بها، ولماذا تهجر طيورنا مصر مغامرة بالنجاح والفشل، وكيف يمكن للسلطة الأبوية الغاشمة أن تدمر حياة شاب، وتحدث قطيعة بينه وبين ممارسة الجنس بصيغه السوية. وإذا أراد أي قارئ عربي أن يدخل كواليس حياة الأجانب، والأجنبيات طبعاً، في مدينة كوزموبوليتانية باتت حلم كل واحد منهم مثل "دبي" فعليه أن يقرأ هذه الرواية التي كتبها مصري، واختارتها جائزة "البوكر" العالمية للرواية العربية واحدة من أفضل 13 رواية صدرت في العالم العربي خلال عام مضي. عنوان الرواية "العاطل" وهو صفة بطلها، الذي التقاه مؤلفها بمحض الصدفة علي أحد مقاهي "دبي" فألهمه فكرتها دون أن يدري أنه صاحب الفضل الأول في تأليفها. كنت قارئ أول خمسين صفحة من مخطوطة هذه الرواية التي جعلتني اكتشف في صديقي الكاتب الصحفي، والرسام ناصر عراق الذي يجيد تأمل الوجوه وتسجيلها في لوحات، والناقد التشكيلي الذي أرخ في دراسة علمية للرسم الصحفي في مصر في كتاب مرجع لابد وأن يفيد منه طلاب الصحافة في مختلف جامعاتنا، اكتشفت فيه روائياً من طراز خاص يمكن أن يضيف إلي هذا الفن شيئاً ذا قيمة، وعندما أتممت قراءة الرواية، تأكدت من صدق انطباعي الأول، فتطوعت بخوض تجربة نشرها، ابتعدت عن الناشرين الذين انتهجوا سبيل تقاسم نفقات طبع الكتب مع مؤلفيها بدعوي أن السوق "نايم"، وأن القارئ بات عزيزاً جداً، أو الذين يشاركون المؤلفين بخبرتهم فقط، ويطلبون منهم تكبد جميع نفقات طبع الكتاب، رابحين هم عنواناً جديداً يضاف إلي قوائم مطبوعاتهم، دون أدني مسئولية مهنية عن طرح الكتاب أو تسويقة والترويج لهً. وقصدت الناشر محمد رشاد، وأنا مدرك أن الناشر غالباً ما يبدأ الحديث مع من يطرق بابه بالتهرب لأنه مزدحم بالارتباطات، وقدمت له مخطوطة"العاطل" طالباً منه أن يقرأها بنفسه، ويبلغني قراره ، وبالفعل راقت له الرواية، وصدرت في زمن قياسي، لتصبح الأكثر مبيعاً في معرض الشارقة للكتاب في دورته الثلاثين، وتنفد طبعتها الأولي في زمن قياسي، وتصدر اليوم طبعتها الثانية. وعلي الصعيد النقدي تلقي حفاوة حقيقية من نقاد واكاديميين مثل؛ الدكتور صلاح فضل الذي نشر عنها منذ أيام في "الأهرام" مقالة تحت عنوان "ناصر عراق يرصد مواجع العاطل"، والدكتور السعيد الورقي الذي قدم دراسة إلي ندوة قصر التذوق بسيدي جابر بالإسكندرية في رمضان الماضي، كان من فرسانها الناقد شوقي بدر يوسف بورقة عنوانها"رواية العاطل وأزمة البطل المعاصر"، والدكتور محمد عبدالحميد، الذي كان أحد بحوثه للترقي بعنوان "رواية العاطل ولعبة الزمن"، والكاتب زكريا أحمد الذي ناقشها في إحدي أمسيات معرض الشارقة للكتاب، والروائي والأكاديمي التونسي صلاح الدين بوجاه الذي نشر دراسة في جريدة "الحياة اللندنية" عنوانها"ناصر عراق يبحث عن هوية الكائن في الكتابة" فيها نقرأ: "إذا تسني للواحد منا أن يصوّب استفهاماته نحو رواية "العاطل" مبتدئاً بنهايتها، متدرجاً مع فصولها الثلاثين عكسياً، حتي فصلها الأول، يهوله أن يكون علي يقين من أن الكتابة تعتبر بمثابة خلاص. بل لعلها ترمز إلي القدرة والاقتحام والرجولة والنفاذ. وعلي رغم بعض المباشرة، بخاصة في الفصول الأولي، فإننا إزاء عمل راق بنية ومعني يمتاز صاحبه بالقدرة علي إلقاء الأسئلة الكبري في مجتمع عربي يروم صنع حداثته الممكنة، وهو يواصل إشعارنا ببساطة رغائبه، وسذاجة استيهاماته!. ما هي هذه الظاهرة التي تقض مضاجعنا جميعاً، ونسميها المجتمع العربي الحديث؟ هذا استفهام أساسي نلقيه هنا باعتباره يختزل جملة الاستفهامات الكبري التي يتم الخوض فيها حول مفهوم الهوية لدي مفتتح الألف الثالث للميلاد . هوية التحولات الاجتماعية الناتجة من الثراء، والنموذج الأمريكي الطاغي، ومدي تأثير كل هذا في المجتمعات العربية. وفي الأدب العربي بخاصة!، هكذا تعرض الأفكار السياسية مبثوثة طي الفصول في شكل لمحات. فينعطف عليها السارد من دون أن يطيل التمهل عندها. والليلة تنتظم في مكتبة "ديوان" بالزمالك ندوة جديدة في السابعة مساءً لمناقشة هذه الرواية المثيرة في حضور الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة، والشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، والدكتور حسام عقل، والناقد أحمد حسن.