فاجأنا الناشرون. علي عكس المتوقع أكد غالبيتهم أن العام المنقضي لم يكن عاما سيئا علي صعيد النشر. معظمهم لم يغير خططه بل إن منهم من زاد علي عدد العناوين المتوقع كل عام! لكن الملاحظة الأبرز كانت تراجع الروايات والمجموعات القصصية، الإبداع عموما في مقابل الكتب السياسية والتي ترصد أحداث الثورة ويومياتها. الثورة الحدث الأبرز في العام احتل مساحة لدي كل الناشرين حتي الكتب التي انتهت قبلها أصبحت "تتمسح" فيها. العام بدأ بالتحضير لمعرض الكتاب، جهز الناشرين حصيلتهم للمشاركة في الحدث السنوي الأبرز، ثم حدث مالم يكن في الحسبان، قامت الثورة وتغير وجه مصر، تأجل المعرض وحاول الناشرين تعويض خسارتهم عبر تلبية متطلبات سوق تغيرت توجهاته، وبات الطلب الأكبر علي الكتب السياسية، في "دار الشروق" لم تتغير الخطة من حيث العدد ولكن من حيث النوعية تقول رحاب بسام مسئولة النشر هناك "الدار لم تؤجل كتبا لأي من كتابها، ولكن هناك من كانت له الأولوية بحسب الموضوع المطروح، كما أن بعض الكتاب أجلوا كتبهم بأنفسهم لأنهم ليسوا متفرغين للكتابة الآن". اللافت أيضا هو إعادة الطبع، لم تكن الشروق تتوقع أن يصل الإقبال علي الكتب السياسية إلي حد طلب بعض الكتب التي نفدت طبعاتها منذ مده "الجديد أيضا أن الناس أصبحت تريد مقابلة الكتاب أنفسهم لمناقشتهم في أعمالهم، وهذا يعطي ملمحا عن درجة الوعي التي أصبحت موجودة لدي القارئ". السياسة في الصدارة الآن واقع لا يمكن نكرانه، لكن الشروق تطبع إبداعا أيضا حيث أصدرت مؤخرا رواية "محال" ليوسف زيدان، وخلال أيام ستصدر رواية جديدة لمحمد المنسي قنديل وخلال العام نفسه صدر عن الشروق مجموعة من الكتب الإبداعية، تختتم رحاب "هناك قارئا جديدا ونهما أيضا". المسألة تختلف قليلا في "المصرية اللبنانية"، يقول موسي علي أن الوضع العام للبلد وضع حركة النشر في الخلفية، لذلك لم تنتج المصرية اللبنانية نصف إنتاج السنة الماضية، كما أنها لم تكمل الخطة الموضوعة. الحركة توقفت تماما بعد الثورة، لكنها عادت من جديد بعد ثلاثة شهور "ثم كثرت الإضرابات والاعتصامات وعادت الدولة للتوقف مجددا، السوق تأثر بالكامل، وقل الدخل وزاد التوتر لدي الناس، وهذا كله جعل الكتاب في ذيل الاهتمامات بالطبع. طبعت المصرية اللبنانية 54 كتاباً فقط منهم 25 كتاباً جهزتهم بالفعل قبل الثورة، هذا يعني أن معدل الطبع بعد الثورة لم يتجاوز الثلاثين كتاب. يعترف موسي "الأعمال الإبداعية أصبحت مخاطرة الآن، لكن الكتاب الجيد يستطيع أن يفرض نفسه". الخسارة التي حدثت بسبب المعرض لم يستطع الناشرين تعويضها خلال العام خاصة وأن الدول العربية لايمكن أن تعوض السوق الأساسي، كما أن الوضع في بعضها الآن أسوء من الوضع المصري بكثير. من العناوين التي نشرتها الدار:"في حضرة نجيب محفوظ" لمحمد سلماوي، "جمال عبد الناصر - من القرية إلي الوطن العربي الكبير" للدكتور خالد عزب، "إشكالية المجتمع المدني العربي - العصبة والسلطة والغرب" لصالح السنوسي، "الخصوصية الثقافية في الرواية العربية" للدكتورة شهلا العجيلي، "أشهر السرقات من المتاحف" للدكتور صبحي الشاروني. وفي الأدب: "وشم وحيد" لسعد القرش، "زمن الضباع" لأشرف العشماوي،" 7أيام في التحرير" لهشام الخشن، "بانجو - أيام مصرية قديمة .. وعصرية أيضًا" ليوسف معاطي، "إيه؟!" لجمال الشاعر، "العاطل" ناصر عراق، "فذلكة شعرية (بالفصحي والعامية)" لياسر قطامش، "أجنحة الفراشة" لمحمد سلماوي، "الهجرة" لأحمد حمدان، "نقطة .. ومن أول السطر" لأمل صديق عفيفي، "سللك شائك" لخيري عبد الجواد، "محمود درويش - حالة شعرية" للدكتور صلاح فضل، "زمن جميل مضي" للدكتور جابر عصفور، "قالب سكر" لهند مختار، "وجوه في الذاكرة" لفاروق شوشة، "فتاة الحلوي" لمحمد توفيق. في "رؤية" وجهة نظر مختلفة فرضا عوض صاحب الدار يري أن نسبة القراءة ارتفعت وأن هناك إقبالا كبيرا علي نوعية الكتب التي تطبعها الدار "هناك اهتمام كبير بالكتب التي تتناول قضايا التهميش، والحركات السرية في الإسلام، والكتب الفكرية بشكل عام". يؤمن رضا بأن هناك ثورة في عالم النشر كما في الميادين، وأن هناك قارئا جديدا، يقبل علي نوعيات مختلفة من الكتب. طبع رضا مايقرب من 57 كتاب ولم يتراجع عن نشر الإبداع فنشر 10 روايات لمحمد شكري، وباولوكويلهو ومحمد جراح، وواسيني الأعرج "ربما يكون عدد الكتب المطبوعة أكبر من كل عام، هناك مخاطرة لكنها موجودة مع كل كتاب، ولم أفعل ذلك لأن الكتاب سلعة لاتفسد، ولكن لأن هذا هو رهاننا الاساسي، وأنا أناشد جميع الناشرين ألا يخافوا وان يستمروا في العمل، ومردود هذا كله سيعود قريبا، وقريبا جدا. "آفاق" في قلب الحدث، الدار التي تقع في شارع القصر العيني، تأثرت بشكل كبير يقول مصطفي الشيخ "موقعنا كان له تأثير كبير، مثلا عندما وقعت أحداث القصر العيني كان كل الشغل إداري فقط، وكانت الفتارين خاوية من الكتب، والمتظاهرين علي بعد خطوات، وكلما حدث انفجار أو حريق أغلقنا الدار فورا..يتساءل الشيخ هل يمكن أن يكون هناك قارئ في هذا الجو؟!". ورغم ذلك كله لم تتأثر خطة الدار علي مستوي النشر، ولكنها تأثرت في المبيعات بالطبع، طبعت آفاق حوالي 15 عنوان وهو معدلها الثابت يضيف الشيخ "علي مستوي المبيعات فالمسألة واضحة، لكن بشكل عام كلنا نعاني، ومعظم الأسواق في العالم العربي: تونس وسوريا وليبيا، حتي بيروت تأثرت". يأمل الشيخ أن تتحسن الأحوال في العام القادم، وأن تتاح فرصا أكبر للنشر، ومساحة أكبر للحرية. عاشت "ميريت" التجربة نفسها ولكن من خلال مديرها محمد هاشم الذي لم ينفصل عن الأحداث منذ يناير الماضي، وحتي اتهامه أخيرا بمساندة الثوار! انخراط هاشم بالكامل في الثورة لم يمنع الدار من إصدار مجموعة من العناوين منها: "الدين والدولة الطائفية" للدكتور نبيل عبد الفتاح، "السودان (ضياع وطن)" للدكتور حيد إبراهيم علي، "عمال وفلاحين" للدكتور حسنين كشك، "مصر المهروسة" لماجدة أباظة، "فخ الجسد" مني فيّاض، وفي الروايات: "خمارة المعبد" بهاء عبد المجيد، "إغواء يوسف" عمرو العادلي، "أوجاع ابن آوي" أحمد مجدي همام، "عصيّ الدم" منهل السراج، "جريمة سنقر" مايكل موريس، "حلم يقظة" هيثم الورداني، "إيحاءات واهنة بالطمأنينة" عدنية شبلي، "آخر مرة" أحمد الخميسي، والدواوين: "قبل الطوفان الجاي" سيد حجاب، "الميّة ما بترويش" حسام حداد، "ست محاولات (الأعمال الكاملة)" إبراهيم داوود، "فقط لا يعوزه الحزن" محمد أبو المجد، "شارع الهرم" مصطفي إبراهيم، وفي الترجمات: "الفجيعة جني" إربنبك ت: نبيل حفار، "العازف والبحر" اليساندرو باريكو ت: أماني فوزي، "منولوجات الفاجينا" إيف إنسلر ت: مصطفي محمود. في "العين" لم يتغير شيء تقول فاطمة البودي مديرة الدار:"طبعنا حوالي 100 عنوان، وخط الدار لم يتغير، هناك من غير اتجاهه مع قيام الثورة، لكنننا بالعكس اهتممنا بالشعر مثلا، وأنا بشكل شخصي "يعز عليا" أن يقال أن الشعر لا يبيع فلن ننشره، وخلال هذا العام وحده طبعنا ما يقرب من 20 عنوان في الشعر مابين الفصحي والعامية". الكتاب يباع مع الوقت، لكن الأهم هو فكرة الكتاب وقيمته تضيف البودي- لذلك طبعت "العين" لحسن حنفي، وسمير أمين "لم أتوقع أن تباع كل نسخ الكتب، لكن هذا حدث ونطبع الآن طبعات جديدة". تؤمن البودي أن الأعمال "الكبيرة" عن الثورة لم تكتب بعد، لأن الثورة نفسها لم تحسم بعد، لكن هذا لا يعني التوقف والانتظار، وخلال هذا الوقت صدرت وستصدر أعمال قد لاتأخذ حقها الآن، لكنها ستباع وستتم متابعتها في وقت ما، أصدرت العين في إطار فكرة الثورة كتابين جديدين هما "فقة التلون" لمحمد طعيمة، و"ثورات العرب..خطاب التأسيس" لعلي مبروك، في الوقت نفسه تؤكد البودي أن المعارض التي أقيمت خلال العام الماضي لم تؤثر علي حركة البيع والنشر "بعكس المعارض العربية التي فكت أزمة". محمد البعلي مدير "صفاصة" قسم العام، قال إنه كان مبشرا في بداياته قبل الثورة، كان هناك معرض وتحضير كبير، وعناوين كثيرة، لكن ورغم الصدامات العنيفة في بداية الثورة فالمبيعات لم تتأثر خلال فبراير ومارس وحتي إبريل، في مايو بدأت الأوضاع في التدهور مع استمرار الوضع السياسي غير الواضح، وسياسات الخوف التي نجح النظام السابق في تسويقها لدي قطاع عريض من الناس، وخلال فترة كتلك لا يروج سوي الأكل والشرب. في الربع الأخير من العام دائما ما يكون هناك ركود، لكنه كان أكبر هذا العام، حصيلة العام كانت في حدود 10 عناوين، حيث ألغي البعلي سلسلة الروايات التي كان يأمل أن ينجزها، وأيضا سلسلة حول التحول الديمقراطي صدر منها 4 أو 5 عناوين فقط. يأمل البعلي أن يحل المعرض القادم أزمة الناشرين، كما يأمل أيضا في عودة سلسلة مكتبة الأسرة. "كلمات عربية" نشرت الخطة بالكامل، لكن بدون مبيعات، نشرت الدار حوالي 30 عنوان في موضوعات مختلفة ولم تؤجل أي كتاب، يقول إسلام حسني مسئول التسويق أن إلغاء معرض الكتاب أثر تأثيرا كبيرا، لم تعوضه بالطبع المعارض التي أقيمت خلال العام لأنها لم تكن في توقيتات مناسبة، وأماكنها أيضا لم تكن مناسبة.