لا أكترث كثيراً بالآراء النقدية التي تلت إلقاء الشاعر الدكتور حسن طلب لمطولته الشعرية "إنجيل الثورة وقرآنها"، علي رواد معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الثلاثين، التي تنتهي اليوم. فما يعنيني هو أن تحمل قصيدة طلب إلي الحضور أجواء الثورة المصرية بتفاصيلها الدقيقة التي لا يزال يشهدها ميدان التحرير، ولعل هذا ما جعل أحد الحضور من أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة يهرع إلي المنصة ليصافح الشاعرين: حسن طلب، وحسين القباحي، فارسي هذه الأمسية، وهو يقول: "أحس وكأنني نزلت إلي ميدان التحرير". لم يكد وجهي يصافح وجه شاعر أو أديب أو إعلامي إماراتي أو وافد من عاصمة عربية أو ناشر جاء للمشاركة في هذا المعرض الحيوي بين معارض الكتب العربية، إلا وبادرني بالسؤال عما يجري في بلادي، ودائماً يجيئ السؤال مقترناً بشهادة محب لمصر، حريص علي سلامها وسلامتها، من باب اليقين بأن مصر هي الضمانة لسلامة هذا الوطن العربي. اللهفة علي مصر والدعوة لها بالسلامة ولشهدائها بالرحمة علي لسان كل أشقائنا الذين التقيناهم علي هذه الأرض الطيبة، حتي أن أصدقاءنا المبدعين القادمين من ساحات التحرير في اليمن وسوريا كان ما يجري في مصر هو شاغلهم وهاجسهم الأول. بمجرد أن تجددت الأحداث في ميدان التحرير وتحولت إلي مواجهات عنيفة بين المعتصمين ورجال الأمن، وما نجم عن ذلك من أرواح تُزهق، ودماء ذكية تُراق علي ثري الوطن، حتي تراجعت الفرحة التي غمرت نفوسنا كمثقفين وناشرين مصريين في معرض الشارقة بسبب صعود أربعة روائيين مصريين إلي القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية المعروفة ب "البوكر"، ومما ضاعف من الفرحة وجود أحدهم بيننا علي أرض الإمارات.. الروائي ناصر عراق، صاحب رواية "العاطل"، التي أثارت الكثير من الجدل حولها ما بين مبالغين في الثناء علي قدرة مؤلفها علي الولوج إلي عوالم لم يسبق لرواية أخري الاقتراب منها، وآخرين مطالبين بسحبها من المعرض ومصادرتها من الأسواق بدعوي أنها رواية جريئة!، وقد أكد لي صديق فلسطيني مقيم في الإمارات أن مدير المعرض تصدي لمن طالبوه باتخاذ إجراء في حق هذه الرواية، رافضاً تماماً مبدأ الحجب أو المصادرة. ولعل هذا هو ما يفسر هذا التزاحم من المواطنين الإماراتيين، والوافدين المقيمين من مصريين وعرب علي حضور مناقشة هذه الرواية في المقهي الثقافي لمعرض الشارقة، وهي المناقشة التي سعدت فيها بالتعرف إلي مثقف مصري لم يسبق ان التقيت به من قبل.. زكريا أحمد، نعم.. زكريا أحمد الناقد لا الملحن. فقد نجح هذا الرجل في إضاءة جوانب "العاطل"، وجعل مؤلفها يروي علي الحضور تجربته معها منذ بدأ أول سطر فيها في يوم 28 أغسطس 2008 وحتي انتهي منها مع نهاية أغسطس 2010 موضحاً كيف انشغل بفكرتها "أعمل في دبي منذ عام 1999 في هذه المدينة المدهشة التي تضم بين جنباتها أكثر من 180 جنسية. وقد قابلت علي أرضها العديد من البشر، وخاصة من المصريين الذين يثيرون شهية أي روائي لتناول حياتهم وصراعاتهم وأحلامهم وطموحاتهم. خاصة وأنني مولع منذ زمن بعيد برصد التحولات والانعطافات التي تنتاب البشر حين يجمعهم مكان واحد وهم قادمون من حضارات وبيئات مختلفة. فضلاً عن أنني مهتم بقضايا الحرية والديمقراطية والعدالة التي حرمنا طويلاً منها في مصر ومعظم بلادنا العربية، الأمر الذي دفعني لأن أعبر عن آرائي الفكرية في قالب روائي حرصت علي أن يخرج محبوكاً وممتعاً ومحرضاً علي حب الحياة والتفاعل معها بإيجابية، بعد أن تعرض المصريون إلي موجات متتالية من الإحباط واليأس علي مدار ثلاثين عاماً حين أغلق نظام مبارك نوافذ الأمل في وجه المصريين". وأشار عراق إلي المنابع التي روت إبداعه الروائي "علاقتي بفن الرواية تعود إلي 35 عاماً خلت حين وهبتني المقادير نعمة الاطلاع علي تحفة الدكتور طه حسين "الأيام".. سيرته الذاتية التي صبها في قالب روائي مدهش. قرأت الجزء الأول منها مقرراً علي في المدرسة، ففتنت بها. وبعد أشهر قليلة قرأت ثلاثية نجيب محفوظ "بين القصرين"، و"قصر الشوق"، و"السكرية"، فقررت أن أكون روائياً مثلهما. ومن يومها وأنا شغوف بقراءة الروايات قراءة متأنية. وهكذا اطلعت علي أهم المنجزات الروائية في العالم، من أول "دون كيشوت" حتي "الخيميائي" مروراً بإبداعات: تولوستوي، ودوستويفسكي، وبلزاك، ودكينز، وفلوبير، وماركيز.. المعجزة الروائية المذهلة. ومن المؤكد أن "واحة الغروب".. رائعة بهاء طاهر التي نال عنها جائزة "البوكر" في أولي دوراتها قد فتنتني، هي ورواية "عزازيل" التي أهداني إياها مبدعها الدكتور يوسف زيدان قبل أن تفوز بنفس الجائزة في دورتها الثانية". وينجح المحاور زكريا أحمد في أن يحصل علي اعتراف "عراق" بأنه يكتب الآن رابع رواياته "تاج الهدهد".