لأول مرة في تاريخ العلاقة بين الجيش والشعب يقوم بعض أفراد من المواطنين بتوجيه عبارات مهينة للضباط والجنود وصلت إلي حد السباب العلني المقصود الذي يذكر فيه الأم والأب، والشتائم التي تهين المرأة بذكر أعضاء من جسدها وهذه نظرة دونية فيها تحقير للأنثي. هذه الظاهرة تحتاج الي تأمل وفحص من علماء الاجتماع والنفس، لكن التعليق عليها ممكن في إطار تطور الأمور، لقد بدأ توجيه السباب خلال المظاهرة التي كانت متوجهة من التحرير الي العباسية للاعتصام أمام وزارة الدفاع في كوبري القبة، وهذا مبني له رمزية تتصل بتاريخ مصر وثورة يوليو التي بدأت منه، اصطدمت المظاهرة بحاجز للشرطة العسكرية في ميدان العباسية، وكان هدف بعض المتظاهرين استفزاز الضباط والجنود للرد وعندئذ تلعلع آلات التصوير وتتسابق وسائل الإعلام الي تسجيل ما لم يقع من قبل، ما حرص الجيش المصري علي تجنبه طوال آلاف السنين، وبالتحديد خلال القرنين الأخيرين منذ أن أدرك محمد علي الألباني الأصل، شبه الأمي بذكائه الفذ وعبقريته النادرة ما لم يدركه مصريون حكموا مصر بعد ابنائه وأحفاده منذ أن وضع يده علي مفاتيح الشخصية المصرية وأسس الجيش المصري الذي كاد يجتاح الامبراطورية العثمانية وأوروبا، كان قوامه من الفلاحين المصريين الذين لم يتولوا شئون جيشهم منذ حوالي ثلاثة آلاف عام استعمرهم خلالها الرومان والفرس والعرب والاتراك وناب عنهم في القتال والدفاع أغراب عنه، منذ عصر محمد علي وأحمد عرابي وجمال عبدالناصر وصولاً الي يناير لم يسدد الجيش سلاحه ضد شعبه، ويحوي القسم الضمني عند تولي المسئولية مضمون ذلك إلي جانب الحفاظ علي الحدود والسلاح الذي لا يتركه المقاتل حتي يذوق الموت، طبعاً عندما يقدم ضابط أو جندي من الجيش علي التجاوز في حق رجل أو امرأة فهذا أمر مثير، سرعان ما سيصبح موضوعاً شهياً ليس للإعلام المحلي فقط، ولكن للعالمي أيضاً، فما البال اذن لو كان المضروب امرأة؟، هكذا تسببت سلسلة من الأخطاء مصدرها أطراف عديدة في أن يصبح الجيش الوطني المصري موضوعاً للصفحات الأولي من صحف ومجلات ومحطات التليفزيون العالمية، أن يمحي من الذاكرة تاريخه ويتحول إلي قاهر لشعبه، بالطبع لا يقرأ أحد الجانب الآخر من الصورة، تلك الإهانات التي تحملها أفراد الجيش إلي أقصي حد، إنني لا أبرر العنف الذي جري منهم ولكنني أضعه في اطاره محملاً المسئولية لهؤلاء القادة من أعضاء المجلس العسكري الذين دفعوا بالجيش إلي ما لم يُعد له، إلي حيث لا يجب أن يكون، إلي تعريضه لما شاهدناه، إنها مأساة بكل المقاييس، أخطر ما سيظل منها ليس التشهير، ولكن ذلك التساؤل: كيف نطلب من ضباط الجيش وجنوده أن يضحوا بأنفسهم وقد أهينوا من البعض عمداً وسمعوا سب آبائهم وأمهاتهم بآذانهم، هنا ذروة المأساة!.