لم تحظ الطلعات الجوية المصرية فى حرب 1967 بما يليق من التحليل والتكريم.. لقد جرى تصوير الأمر كأن إسرائيل إمبراطورية كبرى، وأن الجيش المصرى جرى مسحه من الوجود فى ساعات. وتحفل الكتابات العسكرية الرصينة بنماذج باهرة لطيارين مصريين أدركوا جيداً حجم المأساة.. وشاهدوا بعيونهم آثار الخراب الذى سبَّبه سلاح الجو الإسرائيلى فى الطائرات والممرات، ولكنهم مع ذلك انطلقوا بطائراتهم فى أعمال بطولية لا مثيل لها. لقد قامت القوات الجوية المصرية بعدد كبير من الطلعات الجوية فى يوم 5 يونيو وما بعده. كانت هذه الطلعات أقرب إلى الأساطير، ذلك أن الضباط الذين قاموا بها، كانوا يدركون أن جيشهم قد انهزم، وأن أرضهم قد احتلت، وأن قادتهم قد أصابهم الفزع بعد الفشل. كان الأبطال المصريون فى 1967 أكثر جسارة من نجوم العسكرية الألمانية والبريطانية فى الحرب العالمية الثانية. إن عشرين طياراً مصرياً انطلقوا بطائراتهم فى أسبوع النكسة عام 1967، وهم يدركون تماماً أنها عمليات استشهادية، كانوا يعلمون أنهم يحاربون وسط الهزيمة، ويقاتلون بلا مطارات ولا ممرات ولا غطاء.. ومع ذلك انطلق العشرون طياراً بعشرين طائرة فى عملية تشبه «عملية بيرل هاربر»، التى نفذها الجيش اليابانى فى الحرب العالمية الثانية، حيث الانطلاق والقتال مع اليقين الكامل بالموت. ولقد استشهد فى هذه الطلعة 19 طياراً ليعود من تلك النخبة من الأبطال طيار واحد. ولقد حكى لى الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس الأركان فى حرب أكتوبر، ما كان من شأنه وشأن مجموعة الشاذلى فى حرب 1967. حدثنى الفريق الشاذلى عن وجوده مع أكثر من ألف من ضباط وجنود الجيش داخل إسرائيل بخمسة كيلومترات.. أى أن مجموعة الشاذلى تقدمت فى حرب 1967 لتحتل مواقع فى إسرائيل، ثم قدمت نموذجاً بارعاً فى كيفية الانسحاب بأقل الخسائر فيما بعد. لقد تشرفت - بالتوازى مع هذه السلسلة - بإطلاق مبادرة من خلال برنامج «الطبعة الأولى» على قناة «دريم» تستهدف توثيق وإعلان بطولات يونيو 1967.. وها أنا أكرر المبادرة عبر صحيفة «المصرى اليوم».. وإنى لآمل أن يتفضل أصحاب هذه البطولات أو عائلاتهم أو شهود بطولاتهم أو القراء الذين تابعوا عبر مراجع ومصادر لم تعد متاحة.. أن يتكرموا بإرسال تعليقاتهم، واعداً إياهم بالاحتفاء والاحتفال. إن الهدف من إحياء بطولات 1967 ليس فحسب هدفاً وطنياً يعيد الثقة لشعبنا فى بلادنا، ويرفع رؤوس أجيال باتت تقرأ لجهلاء وعملاء يحدثونهم عن انكسار مصر فى حرب أكتوبر 1973 وعن بطولات إسرائيل فى الثغرة، وعظمة قادتها فى الدفرسوار.. بل الهدف أيضاً هو إحياء الحقيقة وإزالة الغبار عن أناس حاولوا إضاءة ظلمة يونيو بما قدموا من أرواح وأجساد.. فالشرف لنا ولهم أن نعيد إليهم الاعتبار ونعيد إلينا الاحترام.. وإلى الاثنين المقبل. [email protected]