الغلطة غلطة الفتاة التي سحلها الجنود حتي تمزقت ملابسها وتعري جسدها بميدان التحرير لأنها خرجت للميدان لتعبر عن رأيها، ألا يكفيهم ما يسببه لهم الشباب والرجال من متاعب؟ فكانوا أكثر كرما مع المرأة فأوسعوها ضربا علي الرأس بالهراوات وسحلا من الشعر ليمسحوا بها أرض الشارع وسبوها بأقذع الألفاظ . مجموعة من الجنود الأقوياء يستأسدون علي امرأة واحدة يمارسون ساديتهم ويستمتعون بالقفز ببياداتهم الثقيلة في الهواء لينزلوا بها فوق بطنها عدة مرات دون أن يشعروا بالخزي والعار. الغلطة غلطتها .. حتي لو كانت تسير بالصدفة في موقع الأحداث كان لابد أن ترتدي (أوفرول) تحت ملابسها حتي لا تخلع بسهولة عندما تجذب بقوة من أعلي البلوزة التي ترتديها وتفتح ( كباسين )عباءتها السوداء فينكشف نصف جسمها أمام الناس .. فلابد أنها قد قرأت الطالع أو شمت علي ظهر يديها لتعلم أن حظها العاثر سيوقعها في يد من لا يرعي حرمة النساء في مجتمع محافظ ومتدين. الغلطة غلطتها .. لأنها تصورت أن حجابها سيحميها لكنهم خلعوا الحجاب وسحلوها من ملابسها ولم يجدوا حرجا في ضربها كحيوان .. ولكن الحق يقال حاول أحد الجنود تغطيتها بعد أن اشبعوها ضربا - كتر خيره - بينما حاول شاب مسيحي حمايتها وهو مصاب برصاصة بقدمه، ولأنها كانت ترتدي بنطلون جينز وكوتشي تحت العباءة فقد تنصل منها الإخوان والسلفيون وأعلنوا علي الملأ أن الفتاة المسحولة لا تنتمي إليهم دون أن يغاروا للدين وللأخلاق والإنسانية لأن أعراض نساء الجماعة فقط هي التي تستحق أن يثوروا لأجلها، لهذا تذكرت نصيحة صبحي صالح في برنامج العاشرة مساء لشباب الجماعة أن يتزوجوا من الأخوات وليس من بنات (الرصيف) وكأن الفضيلة حكر علي بنات الجماعة دونا عن باقي المصريات! الغلطة غلطتها ..فقد حركت كل خيال مريض فاتهمها البعض بأنها تعمدت سب الجنود لكي تدفعهم لضربها وسحلها وخلع ملابسها واتفقت مع المصورين ليصوروا المشهد من جميع الزوايا لتتناقلها وسائل الإعلام وتتصدر غلاف كبري الصحف العالمية حتي تشتهر .. فتحملت الضرب المبرح بهدف تشويه صورة الجنود البواسل!. واتهمها صاحب قناة مشبوهة بأنها كانت تحت تأثير المخدرات والخمر وأنها كانت ترتدي (البكيني) وتتستر بالعباءة لتناضل نضالا من نوع آخر في محاولة للتشكيك في أخلاقها! ولم يكن الوحيد الذي خاض في عرضها فقد أطلقت عليها الكاتبة لميس جابر أنها قدمت عرض (استربتيز) وهو خلع الملابس! مع أن المفترض أن المرأة تشعر أكثر بحجم الضرر النفسي الذي يصيب امرأة يكشف جزء من جسدها أمام رجال غرباء حتي لو لم تضرب أو تسحل علي الهواء ثم ينكر المسئولون ويدعوننا لتكذيب عيوننا! الغلطة غلطتها وغلطة كل سيدة وفتاة مصرية تصورت أن هناك حدودا للإهانات والعنف الذي يمكن أن تلقاه في الطريق .. كنا نشكو من العنف ضد النساء والتحرش وارتفاع جرائم الاغتصاب لكن لم يخطر ببالنا كل هذا القدر من العنف تجاه عشرات النساء اللاتي عذبن بالكهرباء وترك بأجسادهن تذكارات لن ينسينها مدي الحياة. الغلطة غلطتها وغلطة كل مصرية تصورت أن ما نالته من حقوق ومناصب يكفي ليعتبرها البعض مواطنا من الدرجة الأولي مساويا للرجال، وأن دورها المهم في الثورة وتضحياتها بأبنائها الشهداء يكفي لتأخذ حقها ولا تهمش في المناصب والانتخابات بعد الثورة. الغلطة غلطتنا .. لأننا نحن النساء لم نخرج بالآلاف إلا بعد صدمتنا في حادث الفتاة المسحولة .. رغم معاناة عزة وغادة وسامية وفريدة وغيرهن، لكنها الحالة الصارخة التي وحدتنا رفضا للذل والقهر وطلبا للعدالة في جمعة حرائر مصر.