محمد فاىق أثناء حديثه مع الأخبار درجة التفاؤل عنده زادت عن ذي قبل.. فهو يري أن مصر الثورة بدأت تضع أقدامها علي طريق المستقبل الواعد.. مستقبل ينعم فيه المواطن بالديمقراطية والأمان وحقوق الإنسان، ويخلع من ذاكرته ما تعرض له من ألوان القهر والقمع والتجويع والاستبداد. وهو يأمن للتيار الإسلامي حال فوزه بالأغلبية البرلمانية الساحقة إلا قليلا.. فالاخوان لا خوف منهم لأنهم مارسوا السياسة وساروا في دروبها منذ سنوات طويلة.. لكن الخوف كل الخوف من السلفيين الذين أعلنوا عن نواياهم مبكرا ويكفي أن تصريحاتهم تأتي خارج سباق الزمن! ورغم تأكيد محمد فايق وزير الإعلام الأسبق ونائب المجلس القومي لحقوق الإنسان، علي استحالة قهر أي نظام حكم قادم للمصريين لأن الدولة أصبحت كيانا في قلب المجتمع ولم تعد في قمة الهرم.. رغم ذلك فهو يحذر من الليبرالية المتوحشة.. ومن الالتفاف علي أهداف الثورة بإعادة التزاوج بين السلطة والمال.. ويلفت »السياسي القديم« الأنظار إلي أن أحداث التحرير الأخيرة رغم تداعياتها انتشلت ثورة 52 يناير من حالة الركود التي أصابتها لعدة شهور. وحول السياسة الخارجية قال محمد فايق اننا أغرقنا أنفسنا في بحر المشاكل الداخلية وأهملنا علاقاتنا مع دول العالم، وهذا خطأ فادح.. وأشار إلي أنه من مصلحة إسرائيل أن تتواصل مع »مصر الجديدة« مادام أصحاب القرار وكذا القوي السياسية ليسوا دعاة حرب. وشدد فايق في حواره مع »الأخبار« علي أن مصر في الوقت الراهن في حاجة إلي »الفعل الثوري« لا مجرد »القول الثوري«! وإلي التفاصيل.. يرصد الفرق بين مخالفات المرشحين وبين نظام كان يصدر الأوامر لتزوير الانتخابات المجلس الاستشاري يمگنه إضافة الجديد.. شرط الأخذ بآرائه الرئيس القادم لن يكون ديكتاتورا.. لأن »الدولة« نزلت من قمة الهرم إلي قلب المجتمع أرفع القبعة لحكومة الجنزوري إذا أنقذت الاقتصاد وأعادت الأمن للشارع قبل أن ننطق ببقية مفردات السؤال حول تقييمه للمشهد السياسي قال محمد فايق: »بداية أنا أكره كلمة »الحراك« لأن رموز النظام السابق أول من استخدموها في نهاية عهد النظام.. تحدثوا كثيرا وبفخر عن الحراك السياسي.. ثم تبين أنه كان حراكا قاصرا علي النظام وحاشيته لتمكينهم من تكميم أفواه الشعب ونهب أملاك وأموال مصر ومقدراتها!«.. وعموما فالمشهد السياسي حاليا يدعو للتفاؤل الذي تعززه الانتخابات البرلمانية.. وإن كانت هناك بعض الارتباكات فملامح المشهد ليست مخيفة، خاصة أن مثل هذه الارتباكات سبق حدوثها في الدول التي شهدت ثورات مثلنا ثم انتظمت الأمور بعد التصدي لها ومعالجتها. الدستور والرئيس تفاؤلك أكبر بكثير من شهور مضت.. ما السر؟ هذه الانتخابات البرلمانية إذا انتهت مرحلتها الثالثة والأخيرة بسلام فسوف تعبر بمصر إلي بر الأمان.. فالمواطن الذي حرص علي ممارسة حقه ووقف في الطوابير لساعات حتي يدلي بصوته يعد مؤشرا لتمسكه لإنجاح الثورة ولرغبته الملحة في التعبير عن ذاته بعد أن كان صوته يصل إلي نفس صناديق الاقتراع دون أن يغادر منزله أو عمله! والمخالفات التي شابتها حتي الآن؟ لا تؤثر علي مصداقيتها.. وعلينا أن ندرك أن الفرق كبير بين مخالفات للمرشحين وبين ديكتاتورية نظام حاكم كان يصدر الأوامر للجهات التنفيذية بتزوير الانتخابات.. هل نسينا ما كان يفعله أحمد عز مهندس التزوير؟ وهل نسينا أن الحزب الوطني »المنحل« كان الراعي الرسمي لبلطجية »تقفيل الصناديق« وتكسير عظام المرشحين الذين لا ينتمون للحزب الذي كان حاكما؟! قلت أنه رغم تحرك المشهد السياسي نحو الأفضل فسوف تواجهنا مصاعب الدستور ورئيس الدولة.. ألا يؤدي ذلك لتبديل التفاؤل بالتشاؤم؟ أبدا لأن ما هو صعب لن يرقي إلي مستوي المستحيل.. والمشكلة في هذا الشأن قطعا سيتم التوافق علي حلها.. وذلك لسببين اثنين.. أولهما أن »الدولة« نزلت من قمة الهرم وأصبحت كيانبا في قلب المجتمع.. يعني امكانية التواصل أصبحت قائمة بين الدولة والشعب.. يزيد علي ذلك أن »الدولة« تنازلت عن برجها العاجي.. وتخلت عن الاستقواء بجبروت الاستبداد.. أما السبب الثاني فهو يتمثل في وعي النخبة المثقفة في البلد.. كذلك المخزون الحضاري للشعب وأصالة انتمائه للوطن والتي تبدو واضحة جلية وقت الشدة لتمكنه من عبور الأزمات.. وأمامنا الأمثلة كثيرة.. ففي عدوان 6591 تبرع المواطنون بالانخراط في فرق للمقاومة الشعبية.. وبعد انتهاء العدوان قاموا برد الأسلحة للدولة.. حتي مطاريد الجبل سلموا أسلحتهم للسلطات.. وفي حربي 76 و3791 لم يحدث أي تكالب علي تخزين المواد الغذائية وانخفضت جرائم السرقة والنشل بدرجة كبيرة. الإخوان والسلفيون ومحمد فايق يأمن التيار الإسلامي إلا قليلا»!« فهو يري أن هذا التيار لم يهبط علينا من كوكب آخر.. هم مصريون ولابد أن نحترم نتائج صناديق الاقتراع. وتفسير »إلا قليلا«؟ لا أخشي الإخوان.. لأنهم »فاهمين سياسة«.. يمارسون لعبة السياسة منذ عقود طويلة ولهم خبرة سياسية جعلتهم يفهمون المجتمع فهما حقيقيا يرقي بهم إلي مستوي النضج السياسي.. والعكس بالنسبة للسلفيين.. فهم متشددون.. تصريحاتهم خارج سياق الزمن.. ومواقفهم مستفزة.. ونحن نريد للسياحة أن تنهض.. وللاقتصاد بصفة عامة أن ينشط.. ونريد التواصل لا العزلة مع العالم الخارجي.. والأهم من هذا كله نريد دستورا يعبر عن كل فئات الشعب لا عن فئة معينة. بماذا تفسر الصعود الواضح للإخوان في الانتخابات؟ قلت أنهم ناضجون سياسيا.. ومنظمون.. ويجيدون لغة التخاطب مع المواطنين والمسئولين، ورصيدهم التاريخي معروف في لعبة السياسة.. أما الأحزاب الأخري هي متعثرة سياسيا.. القديمة منها يعلم الشعب أنها كانت أحزابا »ورقية« في ظل النظام السابق.. وقد اكتفت آنذاك بالتواجد الشكلي واكتفت بمجرد الصياح لتضفي علي نفسها طابع المعارضة.. ومن ثم فهي لا تحظي بمصداقية علي الأرض.. في الشارع!.. أما الأحزاب الجديدة التي قامت بعد الثورة فهي مازالت في طور »الأشبال«.. ليست لديها الخبرة الكافية.. ولم تحظ بالفرصة اللازمة للحصول علي هذه الخبرة. إذا كان الأمر هكذا، فكيف تقدم السلفيون.. أليسوا حديثي العهد بالسياسة؟ الوضع هنا يختلف.. واللجوء للتفسير التاريخي هو الأنسب في حالتهم.. فالشعوب عادة ما تلجأ للدين بصرف النظر عن طبيعة رموزه عندما تكفر بالأنظمة التي تتخذ من الديكتاتورية والاستبداد أسلوبا لحكمها! ... والليبراليون ويري محمد فايق أن التيار الليبرالي في مصر يحتاج إلي تعديل مساره.. فالليبرالية في مصر »متوحشة« تعيد إلي الأذهان ليبرالية تاتشر وريجان التي أكدت فشلها في القرن الماضي بسبب اطلاقها آليات السوق إلي أقصي مدي.. دون ضوابط ودون مراعاة لكل فئات المجتمع.. ويطالب فايق الليبراليين المصريين بتبني توجهات تسفر عن ليبرالية تحترم حقوق الإنسان وتحقق للمواطنين أبعاد هذه الحقوق سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. ليبرالية لا تدفع آليات السوق إلي الجنون.. تؤمن بأن التنمية للجميع لا لفئة دون غيرها.. وتسعي جاهدة للقضاء علي الفقر حتي يتحقق السلام الاجتماعي. ويحذر محمد فايق من خطورة انحياز النهج الليبرالي لأصحاب رؤوس الأموال مدللا علي خطورة ذلك في الماضي والحاضر.. فقبل ثورة 32 يوليو 2591 نجح عبود باشا في التأثير علي نظام الحكم.. دفع مليون جنيه رشوة للقضاء علي احدي الحكومات!.. وفي الحاضر نجح رجال أعمال مبارك الذين ضمتهم حكومة نظيف في القضاء علي ثروة مصر.. ولعل ربط الناس بين الليبرالية ورأس المال هو الذي أثر سلبا علي التيار الليبرالي في الانتخابات البرلمانية! شرف والجنزوري د. عصام شرف، هل ظلمناه أم أنه ظلم نفسه وحكومته؟ قبل الإجابة علي السؤال دعني أقول أنه بسبب عدم التواجد الحقيقي لمعظم الأحزاب القديمة.. وكذا الجديدة ومنها التيار الليبرالي لافت للأنظار ان الانتخابات تتم بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض.. لا المرشح يعرف الناخب ولا الناخب يعلم حقيقة وطبيعة المرشح! أما بالنسبة لحكومة د. شرف فإن أول اساءة لها كانت وصمها بمسمي »تسيير الأعمال« وكأنه كان يراد لها ألا تفعل شيئا.. وهي بالفعل لم تفعل شيئا خاصة أنها لم تدعم بالصلاحيات الثورية اللازمة.. وبالتالي فقد أضاعت عشرة شهور كاملة من عمر الثورة.. وكان مطلوبا منها أن تحقق إنجازات كثيرة.. أهمها تخليصنا من خطر الفلول.. وتصحيح الوضع الاقتصادي.. وحل مشاكل المظاهرات الفئوية بأسلوب يجمع بين الحس السياسي وحسن الإدارة لكنها للأسف والشعب علي يقين بأن رأس النظام سقط.. وبقي جسده وأطرافه. بدليل؟ قل الأدلة.. وهي كثيرة.. فإدارة شئون البلاد تدار بنفس البيروقراطية القديمة.. والانفلات الأمني يروع الناس في كل مكان.. ثم التدهور الاقتصادي الذي يصب عن عمد في مصلحة الثورة المضادة. لهذا تعلق الآمال علي حكومة الجنزوري؟ ليتها تنجح في تحقيق ما فشلت فيه السابقة لها! هل هي فعلا حكومة انقاذ؟ دعنا ننتظر فعلها الانقاذي. والمجلس الاستشاري؟ يمكن أن يضيف شيئا إذا تم الأخذ بآرائه.. وعموما أعدك برفع القبعة للجنزوري وحكومته إذا عالج الوضع الاقتصادي وأعاد الأمن والأمان للشارع المصري! مصر والعالم ويري محمد فايق أنه من ضمن الخسائر التي منيت بها مصر في ظل حكومة عصام شرف هي عزلتنا عن العالم الخارجي.. انشغلنا بهموم الداخل التي لم نحل أي من مشاكلها ونسينا علاقاتنا الخارجية.. وغابت علاقات مصر بالمواقف الدولية والاقليمية.. ولذلك فحكومة الجنزوري مطالبة بتصحيح هذا الخطأ وإعادة الحركة والنشاط إلي علاقات مصر بالعالم.. فليس معقولا أن يتحرك العالم من حولنا ونحن في حالة صمت وسكون.. وليس مقبولا أن يغيب تواصل مصر مع القضايا الدولية والاقليمية وكأنها دولة ناشئة! بمناسبة علاقاتنا الخارجية.. كيف تتوقع مستقبل علاقتنا مع إسرائيل وهل من مخاوف من تعرضها لانتكاسة؟ ما حدث في »مصر الثورة« يجعلنا في وضع أقوي مع إسرائيل، وهي الآن »تعمل لنا ألف حساب«.. أما بشأن مخاوفها من صعود الإسلاميين، فلابد أن يدرك الجميع أن كل القوي السياسية في مصر بما فيها التيار الإسلامي، ليسوا دعاة حرب.. إنما دعاة سلام، لكن السلام القائم علي العدل.. وعموما فإن من مصلحة إسرائيل حاليا أن تتواصل مع »مصر الجديدة«. الطرف الثالث ما تردد عن وجود طرف ثالث في أحداث التحرير ومحمد محمود الأخيرة، حقيقة أم شائعة؟ للأسف حقيقة وهو يتمثل في جيش البلطجية من الفلول.. ونأمل أن ينجح وزير الداخلية الجديد في تفكيك ميليشات الوطني »المنحل« والتي مازالت قوية ومتماسكة حتي الآن! هل لديك أقوال أخري؟ الانتخابات البرلمانية الراهنة هي انتخابات القرن الحادي والعشرين، مثلما كانت في جنوب افريقيا انتخابات القرن العشرين.. لكني أرجو من الأغلبية التي ستفوز ألا تبالغ في إعداد الدستور حتي لا يكون لصالحها وحدها.. فالدستور يجب أن يعبر عن الجميع لأنه عقد اجتماعي بين الدولة والشعب.. والعقد هنا يعني الحكم بالعدل والرضا لا بالقهر والقمع!.. ودعني أبعث برسالة تحمل الطمأنينة للشعب المصري الذي أطلق ثورته علي الطلم والاستبداد: »أي حاكم قادم لن يتسلح بالديكتاتورية والاستبداد.. لأن وكما سبق أن قلت الدولة نزلت من قمة الهرم وأصبحت كيانا في قلب المجتمع«!