منتهي الإهانة أن يوصف التصويت للإسلاميين في الانتخابات البرلمانية جهلا وتهورا وفسادا مثلما يردد أنصار بعض التيارات العلمانية والليبرالية لتبرير انصراف الناس عنهم.. بل، لماذا لا يكون التصويت للتيار الليبرالي هو الجهل بعينه نظرا لابتعاده عن حياة البسطاء ومشاكلهم وتعاليه عليها علي أمتداد عقود من الزمن بسبب انتماء أنصاره للطبقة المترفة وانحيازهم لها؟ حالة من التلوث الفكري والخلط في الأفكار والمفاهيم لا تخطئها العين تسود المجتمع الآن، في عمليات متعمدة لإلقاء الاتهامات الجزافية لتشويه الآخر في أسوأ صور الأداء العلني للقوي السياسية المتصارعة علي ثقة الشارع المصري.. يغذيها علي الجانب الآخر إعلام محرض يشعل الفتن والحرائق ويوجه الرأي العام دون حيادية خاصة في القنوات الفضائية الخاصة التي استقطبت نجوم »التوك شو« لتسويق الفوضي والعبث!.. نحن جميعا نشعر بالأسف نري تلك الحجارة التي يتم قذفها علي التيار الإسلامي وتجد من يصدقها بين الليبراليين ونفهم ان الغرض من ذلك هو استرداد شيئا من كرامتهم الجريحة بعد ان عافهم الناس أمام صناديق الانتخاب وانصرفوا عنهم فراحت اتهاماتهم للإسلاميين تعلو لعلها تجد من يصدقها..! وانظر كيف يتم إلغاء الاتهامات المرسلة عندما يخرج احدهم ويقرر ان غلبة التيار الديني في الانتخابات سوف يعود بمصر عشرات السنوات إلي الوراء دون ان يقدم سندا واحدا مقبولا يسوغ تصديق مثل هذا الادعاء الظالم!. ان انصفت قل العكس فالناس الذين اختاروا هذا التيار باجماع لا مثيل له يشعرون انه سوف يدفع مصر إلي الأمام وسيستيد لها قيم الشرف والاحترام والامانة والولاء التي اصبحنا نظن انها صارت تراثا من فرط ما تم اهمالها. نعم فنحن نحلم بعودة هذه القيم لتصبح هي الأصل في حياتنا وتعلقت أمالنا بالإسلاميين لإعادة ضبط منظومة الاخلاق التي انفرط عقدها، ولكن المنحرفين والفاسدين الذين مزقوا علاقتهم بخالقهم وابتدعوا نظاما غير نظامه ليحكم حياتهم، هؤلاء لا يريدون بالطبع عودة هذه القيم ويريدونها عوجا فتراهم أعلي صراخا وأكثر تخويفا من غلبة التيار الديني ويحذرون الناس من اننا ماضون في طريق أفغانستان وإيران. وفي كل مناسبة تسمع اسطوانتهم المشروخة عن تهديد التيار الديني للحريات الشخصية وكأن الدين الذي انزله الله لعباده عندما يأتي سوف يسحق الناس بديكتاتورية وسوف يسجن الرجال والنساء في البيوت وتردد الفضائيات الملونة هذا العبث بلا ملك في محاولة لاستحضار »عفاريت« ما ان تظهر ملامحها حتي يملأون الدنيا صراخا لان واحدا من أهل السلف تجرأ وقال ان الرقص غير مستحب أو ان شرب الخمر حرام!!.. ويذكرني ما يفعله هؤلاء بحديث شريف ورد عن النبي »صلي الله عليه وسلم« حين قال فيما معناه: يأتي زمان علي أمتي تأمر فيه بالمنكر وتنهي عن المعروف!.. وهي الصورة نفسها التي تظهر بجلاء الآن لترسيخ المنكر والدفاع عنه وتصوير من يطالب بالمعروف علي انه مارق متشدد مهووس!.. ولكن بعيدا عن ادعاءات المبطلين هناك نصر كبير انتجته الانتخابات وهو نزوع تياري الاخوان المسلمين والسلفيين الآن إلي العمل المشترك لانتاج نهر وسطي جديد يضم التيارات الدينية ويوجد الخطاب الديني بينهم لقطع الطريق أمام راغبي اشعال الفتنة لاحداث الوقيعة علي خلفية بعض الاختلافات الفقهية بين هذه التيارات.. والاهم من ذلك سعيهم لطرد الغلو والمعاندة بضبط الفوارق وتضييقها والبحث عن القواسم المشتركة وتأصيلها فتتوحد جهة الفتوي وتستقل وتحترم وتتقلد مؤسسة الأزهر الشريف درجتها العالية في وجدان المصريين بعد ان تم تهميشها في الداخل والخارج زمنا طويلا.. وبينما يستمر الهجوم علي الإسلاميين من جانب خصومهم السياسيين طمعا في بعض الأرض التي يقفون عليها، تمضي في نفس الوقت سفينتهم محروسة بعناية الله ليتجاوزوا جميعا »محنة« من يخرج من عقود مظلمة مؤسفة إلي نور الحرية الساطع ليعيد نفسه وبرنامجه لصالح هذا البلد الذي يستحق ان نضحي من أجله.