مضي نحو ربع قرن علي اطلاق الزعيمة البريطانية مارجريت تاتشر لهذه الصيحة، لكن يبدو انها تمثل هاجسا مستقبليا، مما يعني ان الرقم الاوروبي في معادلة صياغة القرن الحادي والعشرين، ومن ثم شكل النظام العالمي تحت التأسيس حتي الآن، مازال في رحم الغد!. مع ميلاد »اليورو« في عام 9991 ثم توسيع رقعة الاتحاد الاوروبي لتصل عضويته الي 72 دولة، زاد الرهان علي المكون الاوروبي في تشكيل ملامح القرن الجديد، خاصة مع التبشير بميلاد عالم متعدد الاقطاب، ولم يتصور اكثر المتشائمين ان اوروبا يمكن ان تواجه امتحانا او بدقة اكثر محنة تاريخية حقيقية تجعل مستقبل التجربة الاوروبية المبهرة عرضة للتصدع، او علي اقل تقدير للانكماش، واعادة العديد من الحسابات الاستراتيجية التي يترتب عليها بناء سيناريوهات مختلفة عن تلك التي سادت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. »الازمة اليونانية« واخفاق الاتحاد الاوروبي في الاقدام علي مواجهة سريعة، ثم ترجيح احتمالات انتشار العدوي الي اسبانيا والبرتغال، والاخطر اضطرار اوروبا الي اللجوء لصندوق النقد لمواجهة تداعيات الازمة الطاحنة في اليونان، والتي تعد الاولي من نوعها من حيث الحجم والخطورة، لكنها بالطبع لن تكون الاخيرة، كلها اشارات ودلائل تؤكد علي ان اوروبا بالفعل مازال عليها ان تنضج اكثر، ان هي شاءت ان تكون ضمن القوي الصاعدة القادرة علي صياغة مستقبل العالم. ربما يكون مطلوبا من الاوروبيين الخروج من شرنقة الوحدة النقدية والاقتصادية الي محاولة امتلاك لغة واحدة في صياغة موقف سياسي امني كمقدمة لرسم استراتيجية اوروبية للقرن الحادي والعشرين، ولعل ذلك يستلزم اولا اعادة التأكيد علي ضرورة »وعي جمعي« بمفهوم اوروبا. مستقبل البناء الاوروبي بات علي المحك، خاصة في ظل تعثر قاطرة الاتحاد ثنائية القيادة (المانيافرنسا) والتي تعكس الافتقار الي سلطة سياسية حقيقية، بعيدا عن اعتماد اطر تنظيمية او اختيار قيادات لملء مواقع علي رأس الهرم الاوروبي، بينما تتميز التجربة برمتها بالضعف السياسي والمعنوي من جهة ويصبح »اليورو« رمزها الابرز محاطا بالشكوك. »ازمة اليونان« وتوابعها المحتملة فرضت من جديد اسئلة لم تجد اجابات شافية قاطعة، وتم تأجيل البحث عن تلك الاجابات خلال مراحل سابقة، ولعل في مقدمة اسئلة المستقبل التي يجب علي الاوروبيين حسمها: هل تستطيع اوروبا مواصلة الرهان علي مؤسساتها الموحدة كأداة تنافسية في مواجهة القوي التاريخية والصاعدة علي السواء عند الحديث عن معادلات وموازين القوة التي تقرر الملامح النهائية للقرن ال 12؟. الي اي مدي يمكن صهر الخصوصيات الوطنية في بناء قاري قادر علي ترجمة »الاوربة« بصورة اكثر فاعلية من شأنها ان تحول المشروع الوحدوي الي قطب بالمعني الاستراتيجي للكلمة؟. ثم كيف توظف اوروبا عبر مؤسساتها التحديات التي تواجه التجربة في توحيد الجهود، وصياغة استراتيجية خاصة بها، ترفع من وزنها الدولي وتفرضها كمركز عالمي قادر علي تحمل اعباء وادوار يقتسم بمقتضاها تبعات عضوية مجلس ادارة العالم بعد مرحلة المخاض التي يشهدها النظام الدولي حتي الان؟. لكن السؤال الاخطر والاكثر مصيرية يتعلق بنوعية التضحيات التي يتعين علي الاوروبيين القبول بها للاختيار بين صياغات توفيقية تحافظ علي ما هو قائم في المدي المنظور، او اجراء »جراحة كبري« مهما كانت التضحيات رهانا علي كيان اكثر اندماجا وقوة وتأثيرا في المديين المتوسط والبعيد؟.