هل يخشي الناس من وصول الإسلاميين إلي الحكم؟ نعم .. لكن من يتحمل مسؤولية ذلك ليس الإسلاميين وحدهم.. وإنما جهات وظروف مختلفة ساهمت بشكل أو بآخر في إذكاء نزعة الخوف من الإسلام السياسي وقدمته كنموذج معاد للحريات العامة ومنشغلا بطهارة الفرد علي حساب طهارة المجتمع.. وطريقاً لإستعادة الماضي بدل التوجه إلي بناء المستقبل وفق متطلبات العصر.. من واجب الإسلاميين أن يبذلوا ما في وسعهم لتبديد هذه الإنطباعات وأن يجددوا خطابهم وممارساتهم ليطمئن الناس أنهم دعاة وليسوا قضاة.. سياسيون وليسوا إنتهازيين.. وأن هدفهم خدمة الناس لا الحركات فقط.. وأنهم يستمدون مشروعيتهم في العمل السياسي من الشعب لا من الدين.. وأن أولوياتهم تتعلق بالقضايا الكبري التي تهم الناس لا بقضايا العبادات والحريات الفردية وما يتصل بالحرام والحلال فقط.. أعتقد أن الإسلاميين بشكل عام لم يفلحوا بعد في الوصول إلي قلوب الناس وعقولهم.. مع أنهم أقدر من غيرهم علي فعل ذلك.. وهذا الفشل له أسبابه.. منها ما يتعلق بالإسلاميين أنفسهم.. سواء لقلة خبرتهم السياسية.. أو لتأثير بعض التجارب الإسلامية القديمة والمعاصرة علي صورتهم لدي الناس.. أو لعدم قدرتهم علي حسم موقفهم من ثنائية الدين والسياسة.. والدعوة والحزبية.. ومن الأسباب ما يتعلق بالنظام السياسي الذي حرم مجتمعاتنا من ممارسة نشاطاتها بحرية.. وأغلق الأبواب أمام التعددية وإمكانية تداول السلطة.. وأشاع مناخ الطرد والإقصاء.. وقد وقع الإسلاميون كغيرهم ضحية لهذه الظروف والممارسات.. ولم تتح لهم الفرصة لخوض تجربة الحكم وتقديم أنفسهم إلي الناس وإختبار برامجهم النظرية علي أرض الواقع.. أما الآخر " الوطني " فيتحمل جزءا من المسؤولية.. فبدل أن يكون التنافس بين الإسلاميين وغيرهم من العلمانيين علي أساس الوطنية ووفق معايير ديمقراطية.. إستغلت بعض هذه الأطراف إمكانياتها لخوض صراع مع الإسلاميين.. وقد دفع الإسلاميون أكثر من غيرهم ثمنا لهذا الصراع الذي أشغلهم عن تطوير أنفسهم وحرمهم من الوصول إلي مجتمعاتهم أيضا.. وأما الآخر "الأجنبي" فقد كان عنصرا مهما في تخويف الناس من الإسلاميين.. خاصة بعد نجاح الثورة الإيرانية ثم ظهور القاعدة لدرجة أن صورة الإسلام أدرجت في ذهن الغربي كمرادف لصورة الإرهابي وأصبح كل إسلامي مشروعا لشخص إرهابي.. الأمر الذي إنتهي إلي تحالفات بين الغرب ومعظم الأنظمة السياسية لتطويق ومحاصرة الإسلامي السياسي ومنعه من الظهور.. وهذا كله أعطي الناس وهما آخر دفعهم للخوف من الإسلاميين بعد أن سخرت وسائل الإعلام كل إمكانياتها للترويج له.. الآن.. ثبت بأن كل هذه الأسباب والمبررات والجهود لم تقنع الناس بالإبتعاد عن الإسلاميين.. كما ثبت بأن الإسلاميين قادرون علي أخذ النصيب الأكبر في أية إنتخابات نزيهة .. وهذا يعني أن نتيجة التخويف من الإسلام السياسي كانت في الإتجاه العكسي.. وربما يشعر الإسلاميون بسعادة هذا الفوز.. لكن أعتقد أن عليهم أن يشعروا بثقل هذه المسؤولية.. لأنهم دون غيرهم يعرفون كيف جاءت ولماذا.. الأمر الذي يفترض أن يدفعهم إلي تغيير حقيقي في علاقتهم مع السياسة ومع الدين ومع الناس ومع قضايا العصر ومستجداته.. وهذا يحتاج حقا إلي ثورة داخلية تسقط ما لا يلزم من أساليب وممارسات وتحالفات تبعدهم عن الناس وتجلعهم مجالا لشكوك الآخرين.. وتفضي إلي رسوبهم في إمتحان التجربة التي علي أساسها تقام الأحكام!.