حتي الآن، فإن السيارة تعد أحد معايير قياس رفاهية المجتمعات والافراد. بالطبع ليست أي سيارة، لكن تلك المزودة بأرقي التقنيات وعناصر الأمان، والفخامة، و.. و.. وفي كل الأحوال فإن المؤشرات التي تتناول ملامح المعيشة تضع السيارات ذات المواصفات المتميزة في مكانة متقدمة. هذا عن الزاوية التي تحكم رؤية صناع هذه المؤشرات اليوم، إلا أن التوقعات الخاصة بمدينة المستقبل، وبفاصل زمني نحو أربعة عقود من اللحظة التي نحياها، فإن الأمر سيختلف كثيراً! مدن الغد ستتمتع بدرجة أكبر من الهدوء، وستكون أكثر اتساقا مع المعايير الخضراء، ثم ان التقدم المذهل المتوقع لوسائط الاتصال التي تجعل كل احتياجات بما في ذلك أداء مهام وظيفتك ستكون عند أطراف أصابعك، بل ان معظم الحواجز بين الإنسان والآلة ستصبح شيئا من الماضي، من ثم فإن العلاقة مع السيارة ستختلف إلي حد بعيد. معهد ألماني لأبحاث الأنظمة والابتكارات يتوقع خبراؤه أن السيارة سوف تفقد بريقها بحلول عام 0502، ولن يحرص سكان مدينة المستقبل علي اقتناء السيارة، كما يحدث الآن! السيناريو الذي يتبناه خبراء معهد فراونهوفر لا يخلو من الرومانسية، إذ يحلمون بمدينة أكثر هدوءا، وأحد شروط تحقيق هذا الحلم تراجع استخدام السيارات علي المستوي الشخصي، بعكس ما نتصور نحن، إذ أن الصورة التي تعلق بخيال الكثيرين تربط بين ارتفاع معدل اقتناء السيارة وما سيكون عليه الغد من رفاهية تميز معيشة الإنسان في القرن الحادي والعشرين. المفارقة أن المعهد صاحب السيناريو موقعه إحدي الدول التي يتمتع المواطن فيها بالعديد من المزايا، لكن وفقا لتوقعاته ومع انتصاف القرن فإن 52٪ فقط من سكان مدينة المستقبل سيكونون من أصحاب السيارات، بينما الآن تسجل الإحصاءات ضعف هذه النسبة! وفي حين ينظر العديد من سكان دول العالم الثالث إلي وسائل المواصلات العامة نظرة سلبية، ويتمنون لو استبدلوها باقتناء السيارة الخاصة، فإن المركبة العامة سيرتفع معدل اللجوء إليها في مدينة المستقبل! المحصلة أن أسلوب معيشة البشر، ووتيرة الحياة في المدينة سوف يشهد تحولات علي كل الأصعدة، ولن يقتصر علي جانب دون آخر، فإلي جانب الثورة المتوقعة في الهندسة المعمارية، والاشتراطات البيئية التي ستصبح أقرب للأشياء المقدسة، والدور المتعاظم للتقنية مما يجعل وصف مدينة المستقبل بأنها ذكية بجدارة، فإن تراجع استخدام السيارة سيكمل رسم المشهد في ظل تراجع بعض المؤشرات كالنمو السكاني، وزيادات الأجور، مقابل ارتفاع الوعي البيئي وأسعار الوقود! وبالقطع فإن السيارات التي تجري في طرق مدينة المستقبل ستعمل بالكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية أو الوقود الهجين، فضلا عن تصميمات لن تخلو من الغرابة والإثارة قياسا علي ما نعرفه الآن. وإذا كانت السيارة ستتحول إلي مشهد استثنائي في مدن الغد، في العالم المتقدم، فماذا يكون عليه الحال في الدول التي مازالت تناضل للحاق بقطار المستقبل؟!