المنطق الطبيعي للأمور كان يؤكد أن مصر ستولد من جديد فبعد الثورة المجيدة كانت الخطوة التالية استعادة مصر.. وبناء نهضتها التي رسمها الشعب خلال ثورته.. إلا أن مصر تسير الآن عكس المنطق. الصحيح ان بعد الثورات دائما تكون هناك مرحلة انتقالية.. تشهد فوضي وتشتت وانقسام وفرقة.. يمكن ان تطول هذه المرحلة أو تقصر وفقا لاستعداد الشعب وقدرته وقابليته للتغيير، وقوة وحكمة السلطة التي علي رأس الحكم خلال هذه الفترة.. والرغبة الحقيقية الخالصة لإحداث هذا التغيير. إلا أن الوضع في مصر كالعادة لا تحكمه قواعد، ولا تنطبق عليه أي تجارب سابقة.. فمصر تنفرد في كل شيء.. حتي انها تفردت بثورتها التي أشاد بها العالم.. ولذلك لم يكن غريبا ان تنفرد بالسير عكس المنطق.. صحيح ان الشعب الذي عاني القهر والظلم والطغيان والاستبداد ومورس عليه العبودية والذل وجميع أنواع التعذيب، كان من المفترض ان يحصل علي فترة ليست بالقليلة حتي يستطيع ان يمارس الحرية المسئولة.. إلا أن الشعب الذي ظل حبيس نفسه انطلق عقب الثورة هائجا في كل اتجاه، ومع قلة الضمير والحقد والكراهية والأنانية التي زرعها النظام السابق فينا، ومع الانفلات الأمني المدبر أصبحنا نعيش في فوضي عارمة.. زد علي ذلك أن جميع القوي السياسية تلهث وراء مكاسب ذاتية وتناست الهدف السامي »مصر«. بالإضافة إلي أن المجلس العسكري لين ورخو وبطيء.. كل ذلك ساهم في وأد مصر بدلا من ولادتها.. وجعلنا نشعر كأننا نعيش في أطلال بلد بالمعني الأدق »لا« بلد.. فشعر كل منا بالكآبة التي يزيدها تغيير الفصول.