قطع المياه 6 ساعات ببعض مناطق الجيزة لتحويل خط رئيسي    سيف الإسلام القذافي يعلن دعمه لتشكيل حكومة جديدة في ليبيا    جوتيريش:نصف مليون شخص بغزة محاصرون في مجاعة    ضبط 50 محلًا بدون ترخيص وتنفيذ 40 حكمًا قضائيًا بحملة أمنية بالفيوم    لمحبي الآكلات الجديدة.. حضري «الفاصوليا البيضاء» على الطريقة التونسية (الخطوات والمكونات)    إنقاذ حياة مريض بعمل شق حنجري بمستشفى الجامعي بالمنوفية    جامعة أسوان تهنئ البروفيسور مجدي يعقوب لتكريمه من جمعية القلب الأمريكية    الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    عصابات الإتجار بالبشر| كشافون لاستدراج الضحايا واحتجازهم بشقق سكنية    بورسعيد.. أجمل شاطئ وأرخص مصيف| كيف كانت الحياة في المدينة الباسلة عام 1960؟    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    الأمم المتحدة تعلن المجاعة رسميًا.. ماذا يحدث في غزة؟    أهداف إنشاء صندوق دعم العمالة غير المنتظمة بقانون العمل الجديد    محمد النمكي: الطرق والغاز جعلت العبور مدينة صناعية جاذبة للاستثمار| فيديو    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    أسوان يستضيف بلدية المحلة في الجولة الأولى بدوري المحترفين    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    في ظهوره الأول مع تشيلسي، إستيفاو ويليان يدخل التاريخ في الدوري الإنجليزي (فيديو)    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    رياضة ½ الليل| إيقاف تدريبات الزمالك.. كشف منشطات بالدوري.. تعديلات بالمباريات.. وتألق الفراعنة بالإمارات    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر البشر
بابا مصر.. وأربعون عاماً من العذاب
نشر في الأخبار يوم 15 - 11 - 2011

يوم الاثنين الماضي 41 نوفمبر 1102 أتم البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية أربعين عاماً متوجاً علي كرسي مار مرقص الرسول.. بابا للمصريين ومواجهاً لبابا روما.. متفوقاً في مصريته ممسكاً في يده بالحبل السري لمصر دون أن ينقطع رغم الأنواء التي مرت به.
تربطني شخصياً ببابا مصر علاقة بدأت بيوم تسجيل كل منا صحفي في جدول العاملين بنقابة الصحفيين حيث كان اسمه نظير جيد قبل أن يحمل اللقب الكهنوتي شنودة الثالث.
والبابا يحمل هذا المنصب الكهنوتي »ظل المسيح علي الأرض« محاولاً ما أوتي من شجاعة الرهبان والإحساس بالمسئولية أن يواجه ما لم تواجهه مصر في مسيرتها وتاريخها من محاولات التمزق والتفرقة بين القبط المسلمين والمسيحيين ولعل استقرار كلمة القبط إلي حد ما عند الجزء المسيحي من شعب مصر كانت جزءاً مهماً من الاستئثار بالاسم العريق ولعلها جاءت بمحاولة التفرقة ولكنها استقرت علي العراقة والأصول الثابتة استطاع البابا شنودة بالتركيبة الكيميائية العبقرية للمصريين أن يمسك بالدفة ويمنع الغرق لمركب تحمل أطيافاً من المصريين بعضها سهل القيادة والبعض الآخر يعيش العناد المصري الذي أخذ بذوره من الفرعونية. وكلما ارتفع الموج مهدداً المركب قبضت يده الذكية بقوة علي الدفة لينقذ الوطن.
لم يدخل في مناقشة حول الفتنة الطائفية وكان دائماً ينأي بنفسه عن خوض أي حوار يعترف فيه بفتنة طائفية تجتاح شعب مصر.
وفي الثمانينيات دعانا البابا نحن زملاءه في نقابة الصحفيين إلي زيارة لباقة الكنائس والأديرة الموغلة في القدم في وادي النطرون وهناك شاهدنا بتعمد منه كيف تدار الأديرة والكنائس اقتصادياً وباكتفاء ذاتي شديد الذكاء وبمصرية الزرع بنتاج يملك قدرة التصنيع.. وكان قداسته قد أمضي فترة الغضب من الدولة في الدير فأحكم فكره جيداً وحينما سألته:
ماذا فعلت حينما أبعدك الرئيس السادات؟ فقال بسرعة وبسماح الآية »أدر له خدك الأيسر«: الرئيس لم يبعدني لقد كنت معتكفاً!!
وأخذنا إلي إضافته لمجموعة الأديرة، تلك الإضافة التي ترفع اقتصادهم واكتفاءهم الذاتي هناك وهي تلك المزرعة السمكية التي أدارها المثقفون علمياً.. وسألت البابا وقتها:
كيف يجد الدير نفقات التشغيل لكل هذا المنتج المحتاج إلي عمالة دائمة؟
فقال لي:
العمالة هنا بقوة الدير فالذي يعتكف في القلايات القلاية حجرة منخفضة السقف صغيرة جداً لها فتحة يادوب تكفي للدخول يتعبد فيها الرهبان، قال: الذي يعتكف في القلايات يقوم علي خدمة الإنتاج، الباقون ولعلمك الدير يصدر للقري التي حوله من إنتاجه بشكل يتوازن اقتصاده دائماً.
وعند الغداء كانت لنا وليمة من أحد الفنادق الكبري في القاهرة فقلت له:
لأ يا سيدنا احنا عاوزين ناكل من الأكل اللي بتاكلوا منه كل يوم!!
فرد بروحه المرحة الذكية وبسرعة البديهة المصرية:
احنا مابنكلش كل يوم!!
كانت زيارة استكتبتني مقالة تحت عنوان »لو أديرت مصر مثل الأديرة لما استدنا« وكنا وقتها في أوائل الدين ولم يحدث أن تغول الغيلان والطامعين.. الذين أوصلونا إلي حد فساد كل شيء حتي الأنفس.
حاورت البابا مرتين في التليفزيون الأول منذ أربعة أعوام في محطة O.T.V وكانت الفتنة الطائفية قد أصبحت مستقرة في هيكل الوطن فقلت له:
هل تعتقد أن اسرائيل حينما اطمأنت لعدم الصراع العسكري بدأت تفتت الشعب المصري بالفتنة الطائفية؟
فرد بسرعة وبشجاعة الرهبان الذين لا يخشون إلا الله:
وتقولي إيه حينما لا ينجح مسيحي واحد في انتخابات مجلس الشعب حتي في شبرا؟
وأسقط في يدي وعرفت جيداً أن البابا يعرف جيداً كيف تعمل الدولة بمعول الهدم بأسلوب عدم وجود مسيحي في أماكن صنع القرار أو حتي التواجد في أجهزة الدولة العليا مثل أمن الدولة أو أمن الرئاسة.
وسألته في حوار آخر علي المحور منذ عامين:
لماذا وصل عدد الكنائس في الخارج في عهدك إلي 83 كنيسة افتتحت بعدها كنائس أخري بعد أن كانت ثلاثاً؟
فقال بمصريته حتي النخاع:
المسيحي المصري لا يستطيع أن يصلي صلاته الخاصة في كنائس الغرب فلنا في صلاتنا تراتيل فرعونية نلتزم بها وأنا أقصد ليس العبادات فقط ولكن للتواصل مع الوطن وعدم الذوبان في الشعوب الأخري وأن تكون مصر دائماً هي الحصن، ولتشابه أحداث تفجير الكنائس كان البابا لا يتكلم ولكن النخبة المثقفة في مصر كانت تعلم جيداً أن الدولة تعمل بآلية فرق تسُد وتضع بذور الفتنة مع تواجد التطرف الديني فيصبح الضرب يأتي بنتائجه كما حدث في نجع حمادي والكشح كان البابا يتعذب وهو يعلم جيداً ما يحدث بدليل رده علي سؤالي بما يحدث في الانتخابات وهي إشارة وأمر من الدولة بالتفرقة.
وقد قلت لوزير الداخلية حبيب العادلي بعد استوزاره بشهور وكنت أعرفه جيداً حينما كان رئيساً لمباحث أمن الدولة.. قلت له:
هل تريد أن تترك بصمة في وزارة الداخلية بعد أن تكمل مهمتك؟
فقال:
ماذا تقصدين؟
قلت: عليك أن تعين لواء مسيحياً في أمن الدولة ولواء مسيحياً في رياسة مجلس الوزراء ولواء مسيحياً في قوة الحراسة في رئاسة الجمهورية.
قال: فعلاً والله.. نحاول.
وبعد انتظاري لعام كامل قابلته في مناسبة رسمية فسألته:
لماذا لم تضع بصمتك التي قلت لك عنها؟ فقال وهو يلتفت حوله:
ده قرار سيادي وليس قراري.
وعشت الانتظار حتي علمنا أن القرار السيادي اندمج مع القرار الوزاري وباتت مصر تحت التفرقة، واستمر عذاب البابا من أجل مجتمع تعمد فيه إصابته في مقتل.
وفي مطلع 1102 حدثت كارثة كنيسة القديسين والدولة في استقرار علي عرش وكراسي تحتها رماد من تحته نار. ولم نكن نعلم شيئاً عن السلفيين والذين كأنما كانت الحكومة تربيهم وتشبعهم ليتوحشوا وينفذوا ما يحدث من فرقة ونحن لا نتصور أن هناك مسلمين يجلسون فوق تراث خاص بهم يدعو إلي قتل النفس التي حرم الله قتلها والذين لم يدرسوا ولم يذاكروا جيداً أحاديث الرسول صلوات الله عليه أن من قتل ذمياً بغير حق حرمت عليه الجنة. ويتعذب البابا الذي درس الإسلام جيداً وآخي آيات القرآن وما نزل علي عيسي من الإنجيل.
وتأتي فجيعة ماسبيرو ويصبح البابا في أمرين كليهما مُرّ إما الحقيقة المفجعة والشعب في حمي الجيش وإما السكوت المفجع والقتلي مثبوت قتلهم.. والمسيرة أو التظاهرة هي أول تظاهرة بعد الثورة بأمر أولي الأمر.
وتتوالي عذابات البابا وهو في سن ليست في حمل هذا العذاب.. والعذاب الدائم بمشاكل الزواج الثاني والطلاق.. المشاكل الداخلية.. والعذاب الاجتماعي الذي لم نكن نسمع عنه بزواج مسلم من مسيحية أو زواج مسيحي من مسلمة.. وكأنما الشعب أصبحت أصابع الجريمة متفردة في العبث بمقدراته.
وتصبح فجيعة ماسبيرو جزءاً من مآزق ثورة يناير.. وتأتي صلاة الخمسين ألف في كنيسة المقطم بما فيها من مسيحيين ومسلمين بلسماً للبابا قبيل عيد جلوسه لتمسح بعض العذاب فقد كانت من أجل مصر كلها.. ولا أجد أفضل ما أقوله لقداسة البابا أملاً في رأب الصدع سوي الآيتين 8 و9 من سورة آل عمران »ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد«.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.