ما أجمل عمق المعني والدلالة والأثر في كلمة الصلاح الفردي الذي يتحلي به شخص ما فيكفي الناس شره وأذاه، ولا تمتد إليهم يده بسوء، أو تنالهم آفات لسانه، لكن هذا الشخص رغم صلاحه وتقواه.. يسير بجوار الحائط حاملا صفة التردد، يرقب بنصف عين مظاهر الخلل والفساد حوله دون أن ينكر قلبه أو يأبي عقله أن يقبل هذه المظاهر، ويصمت عن التفكير في مواجهتها، إنه يلتصق بالحائط ويقبل كفه ظهراً وبطنا لأنه مازال بخير حتي لو زادت شكوي كل من حوله مما يلاقونه من مشقة ومعاناة.. وهذا الشخص صالح في نفسه، لكنه يهز رأسه بلا مبالاة، ويجري مختبئا.. إذا ما استدعي الأمر أن يكون له موقف ودور، ويتشبث بالصمت في وقت يكون الصدع بالحق فيه ضرورة وجهادا.. وتجده يلصق قدميه بالأرض عندما يكون عليه أن يتحرك ويغير ويقيد يديه إلي جنبيه بينما يتحتم أن يأخذ بهما علي أيدي ظالم، أو يمدهما لنصرة مظلوم.. وأما الكلمة الثانية التي تشير في معناها إلي الإصلاح فهي تعبر عن روح فعالة تدفع صاحبها إلي الحركة والعطاء، وتحفزه علي التغيير، وتحرضه علي ألا يكتفي بموقف المتفرج، وتساعده علي صناعة الواقع لا مجرد العيش فيه، وعلي خلق الفرصة لا مجرد اغتنامها، فالمصلح يكفي الناس شره، ويمنحهم أيضاً خيره، يتحرك وسطهم فلا يحتمي بجدار أو يتقوقع في عزلة اختارها ويرفض.. مهما واجه من صعاب أن يكون شخصا تابعا لا فائدة منه.. ويصر علي أن يكون في مقدمة صفوف المصلحين، ينظر إلي من خلفه نظرات مشجعة مطمئنة يحرك بها فيهم نوازع الخير والإيجابية، ويحذرهم من السلبية والأنانية، إن المصلح طاقة نور في واقع مظلم، وكلمة حق في وجه الباطل.. ويد في استعداد دائم للعطاء وسط ركام العجز، وقدم لا تتواني عن مواصلة السير علي أشواك التحدي.. بينما تتناثر حولها أقدام لم تقو علي أن تبدأ الطريق أو تواصله، ويكفي في هذا الإطار كل من لم يكتف بالصلاح وحده شرفا أن يكون سبباً في حماية الأمة من الهلاك ويكفي أيضا من أبي أن ينضم إلي فريق الإصلاح عارا أن يخذله يوما ما الجدار الذي كان يحتمي به، لكنه لم يصمد في وجه أعاصير التغيير ورياحه، بل انهار فوق رأسه في لحظة بعد أن تحصن به عمراً.