ما حدث حول وثيقة د. السلمي محاولة لتصحيح خطأ كارثي أوقعنا فيه المستشار طارق البشري ومجموعته الذين رهنوا مستقبل مصر في المائة عام القادمة في البرلمان الذين يعلمون تماما ان القوي السياسية المصرية لم تكن تبلورت ولا استطاعت تعريف الجمهور ببرنامجها السياسي. وكانت القوي الوحيدة المرشحة للتواجد في البرلمان هي الاخوان المسلمين، وعلي ذلك فقد تم تفصيل المواد التي انبثقت عن لجنة البشري لكي تناسب الاخوان المسلمين. وهكذا يبدو ان تفصيل القوانين اصبح مرضا متوطنا في مصر، فمن تفصيل القوانين الذي تم علي يد د.سرور وزمرته لكي يتم التوريث علي حجم جمال مبارك جاءت لجنة البشري لكي تقوم بتفصيل مستقبل مصر علي مقاس الاخوان المسلمين! وذلك تحديدا ما تسعي وثيقة السلمي إلي تلاشيه عن طريق افساح المجال امام كل القوي الوطنية المصرية ابتداء من اساتذة الجامعات وممثلي النقابات والاتحادات والمرأة من الجمعيات النسائية وجمعيات حقوق الانسان وممثلي الازهر والكنيسة والشخصيات الوطنية ذات الاثر غير المنكور لكي تشارك في وضع مباديء دستورية تشكل ملامح مصر في المرحلة القادمة. كل ذلك محاولة من د. السلمي لتجاوز المأزق الذي وضعنا فيه المستشار طارق البشري ومجموعته تلك الازمة التي تتجاوز المكاسب السياسية كي تضعنا اذا لم نستطع حلها في منحني خطر يقود إلي فتنة اهلية الواقف فيها خير من الماشي. والقاعد خير من الواقف، فتنة قد تسيل فيها دماء سالت ولاتزال تسيل في بلاد عربية عزيزة علينا مثل ليبيا واليمن وسوريا. لقد استطعنا ان نسقط رأس النظام بأقل تكلفة بشرية لكن اذا لم ننتبه واذا لم يتحلي اقطاب السياسة العربية بقدر كاف من المسئولية فانهم سوف يعرضون البلاد الي مواجهات دموية استطعنا ان نهرب منها ولانريد ان تلاحقنا في الفترة المقبلة. وماذا عن الاخوان والسلفيين ان هم استشاروا بقية القوي الوطنية في وضع الدستور، أو ليست المباديء الدستورية سوف تعرض في النهاية علي الشعب للاستفتاء عليها فالدستور لا يكون دستورا إلا بعد موافقة الشعب عليه ايا كانت الجهة التي وضعته. والمعركة التي نشاهدها الان هي معركة تطفو فيها الانتهازية السياسية بشكل لا يمكن اخفاؤه، لان كل فصيل يريد ان يأكل المأدبة وحده ولان كل فصيل لا يخفي نواياه التي تتمثل في امكانية تمرير دستور معيب للحصول علي ما فيه من عوار اعتمادا علي ضعف التجربة السياسية للشعب المصري والتي استبعدت طوائفه من المشاركة السياسية عبر عقود، لذلك فإن اقساما كبيرة من الشعب المصري لا تدرك ا همية المواد الدستورية، ولا تستطيع استيعاب الفخاخ المنصوبة بين مواد اي دستور غير متوازن تضعه فئة واحدة متجاهلة بقية اقسام الحركة الوطنية المصرية. ليس في وثيقة السلمي إلا تعميق المشاركة الديمقراطية كمبدأ حارس يمنع اي طائفة سياسية من ان تعبث بالدستور أو تفصله علي مقاسها ادراكا من واضع هذه المبادرة الي اي دستور معيب سوف يقود البلاد إلي صدام اجتماعي يهدد وحدة وتماسك الوطن. لقد سئمنا من تفصيل القوانين، ومن اللهو بالدساتير ومن الانانية الشديدة التي تحكم القوي السياسية التي تتوهم لنفسها الغلبة. لقد وضع الحزب الوطني الديمقراطي »المنحل« البائد دستورا.. ففيما نفعه هذا الدستور؟.. ألم يتلاشي الحزب ودستوره وسلطاته امام صيحات الثوار لانه ولد ميتا بما حمله من نصوص منحازة لا تعبر عن تطلعات الجماهير ولا تلبي مطامحها. وبدلا من قيام كل القوي والفصائل السياسية والحزبية بالمناقشة والتحاور حول الوثيقة بهدف الوصول إلي توافق حولها.. لكي يكون الهدف الاساسي والوحيد هو الوصول إلي المصلحة العامة وليس الانحياز لحزب أو تيار سياسي دون اخر.. فان تعديل مشروع الوثيقة يجب ان يكون هدفه الوصول الي توافق القوي السياسية، حتي لا يداهمنا الوقت، ويفلت منا الزمام ونندم بعد ذلك علي عدم المشاركة في الحوار حول الوثيقة مع التيار الاسلامي وبعض التيارات الحزبية التي يؤكد عدم - تحت اي ظرف - ايمانها بالديمقراطية. وبدلا من مشاركة حزب الحرية والعدالة ومن يتفق معهما في الرأي حول الوثيقة اصدر الاخوان المسلمين بيانا يصف مشروع وثيقة السلمي بانها تزوير لارادة الامة وانها انقلاب علي الديمقراطية.إفساد للحياة السياسية في مصر ومحاولة لفرض الوصاية علي الشعب المصري.. وطالبت الجميع بالوقوف معها ضد هذا المشروع! تضمن بيان »الاخوان المسلمين«- وليس حزب الحرية والعدالة- والذي جري توزيعه علي المساجد عقب صلاة الجمعة ووسائل الاعلام قبل ذلك. تضمن تأكيدا علي رفضهم الوثيقة ومعهم عدد من الاحزاب السياسية لانه يعد انقلابا علي الاستفتاء والاعلان الدستوري الذي تنص المادة (06) منه علي ان اللجنة التأسيسية المكونة من مائة عضو لوضع الدستور انما ينتخبها الاعضاء المنتخبون فقط من مجلسي الشعب والشوري وهذا الاعلان الدستوري انما وافق عليه الشعب بأغلبية كبيرة. ولما كان الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات فان ما فعله الدكتور علي السلمي في »نظرهم« هو اغتصاب لحق الشعب في انتخاب اللجنة التأسيسية، وحقه في منح نفسه الدستور الذي يريده. كما انه اهدار للديمقراطية التي هي حكم الشعب، واهدار للارادة الشعبية التي تمثلت في استفتاء مارس 1102. ووصف بيان الاخوان المسلمين ما يحدث الان بانه فتنة، تطل برأسها من جديد مستغلة ظروف الانتخابات والأزمات المفتعلة بين القضاة والمحامين وبين امناء الشرطة ووزارة الداخلية- وقد انتهت هذه الازمات والحمد لله - فهل اذا اختلف الاخوان المسلمون سياسيا امام اي قضية حتي لو كانوا علي حق يطالبون فورا بإقصاء الطرف الاخر.. هل هذه هي الديمقراطية؟! وان من يختلف معهم في قضية أو يبدي رأيا يتهم بانه اصبح خطرا علي الامن المصري الداخلي وهل الخلاف في الرأي يصنف علي انه اقلية ضئيلة تبتغي تحقيق مطالب شخصية أو حزبية أو فئوية تريد ان تعبث بحاضر مصر ومستقبلها واجيالها والتهديد بقيام مليونية للوقوف في وجه دعاة الفتنة واتهام الأحزاب المساندة للسلمي بانها تلعب دور »السنيد« للسلطة كما لعبته مع النظام السابق! لقد تم ادخال تعديلات جذرية علي الوثيقة لمجرد اعلان بعض الاراء في موادها، تم ذلك قبل توزيع منشورات بيان جماعة الاخوان المسلمين!! فلينتبه الاخوان المسلمين ولتنتبه جبهة التيارات الدينية الي ان الاغترار بالقوة ومحاولة الانفراد بوضع دستور سوف يقود إلي صدام اجتماعي سوف يكونون هم اول الخاسرين فقد ثار الشعب مطالبا بالديمقراطية وسوف يقف في مواجهة اي قوي تحاول ان تنفرد بتشكيل ملامح المرحلة المقبلة لصالحها فلنتكاتف جميعا وراء »الوثيقة« التي تحاول ردم الهوة التي حفرها المستشار طارق البشري ومجموعته حتي نستطيع ان نعبر إلي المستقبل. هناك فرق بين الوثيقة والامتناع عن المشاركة في النقاش وبين الاعتراض علي مادة أو اكثر علي مواد الوثيقة والمشاركة في نقاش وطني من اجل تطويرها، والامتناع عن هذا الحوار الوطني في محاولة لنسفه أو عرقلته، كان عليهم ايضا المشاركة مادامت الوثيقة تتحرك في الافق الديمقراطي، وكان من الممكن ان يكون الاعتراض علي اي مواد يرونها ماسة بالرقابة الشعبية علي القوات المسلحة بدلا من محاولة نسف الوثيقة بكاملها. ان رفض فصيل معين للوثيقة لا يعني عدم التوافق عليها لانه لا يستطيع اي فصيل أو حزب احتكار السلطة والرأي.