دهشت عندما رأيت أحد الآباء علي خلاف مع أهل زوجته يأتي بابنه ويقدم له كتاب الله ليقسم عليه قسما لا رجعة فيه بأن يقاطع أهل أمه فلا يصلهم ولا يبرهم ويخاصمهم العمر كله!! هكذا بلغ غضب الأب فلم يجد ما ينفث به عنه إلا بقطع رحم ابنه بأهله وان يحرم أهل زوجته من رؤية حفيدهم أو الاتصال به أو التواصل معه ليوجع قلوبهم ويتشفي فيهم.. وهذا منتهي الجهل.. لماذا؟ لان مثل هذا الاب يعد كمن أوثق ابنه بالحبال ثم القي به في النار.. وبينما هو يظن انه يؤلم خصومه إذا به يؤلم ويعذب أعز الناس إليه واقربهم منه.. بل هو يحرمه من دخول الجنة مهما كانت قوة صلته بالله!! ولكن إذا كان هذا حال شاب الزمه والده علي قطيعة رحمه فامتثل له وهو يظن انه بذلك يبر ابيه رغم انه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.. فكيف يكون الحال مع اناس قطعوا ارحامهم عمدا بدون قسم واهملوا علاقتهم بأهلهم انشغالا عنهم بأمور الدنيا أو ربما استصغروا قيمة هذه الصلة ومكانتها عند الله الذي يقطع صلته بكل من قطع رحمه فيعيش في الدنيا كما يعيش الدواب وليس له عند الله شيء!! ولمن لا يعرف فإن ثواب صلة الرحم التي اوصي بها الله تعالي عظيم بدرجة تفوق قدرة الخيال علي تصورها.. وحاول أن تدرك قيمة ما قاله النبي صلي الله عليه وسلم »من سره أن يُنسأ (أي يزاد) له في رزقه وعمره فليصل رحمه«.. أي أن صلة الرحم تزيد من عمرك وتكثر من رزقك.. بل ان الذي يصل رحمه له أعلي الدرجات فقد قال الرسول صلي الله عليه وسلم ان الدنيا لاربعة نفر.. فذكر الدرجة الأعلي فيها لانسان اتاه الله مالا وعلما فهو يتقي به ربه ويصل به رحمه.. فهذا الانسان يهديه علمه لأن ينفق ماله في أفضل الوجوه وليس هناك أفضل من ان تنفق علي اهلك وارحامك إن كانوا فقراء من مالك.. أو تقدم إليهم من نفسك خلقا ودودا ومحبة طيبة. ورغم هذا العطاء الوفير من الله لمن يصل رحمه انظر حولك وابحث كم من أهلك واقاربك لا تتواصل معهم، فهذا مريض وهذا محتاج فكم عطاءك لهم واهتمامك بهم ومثلما كان هناك عطاء عظيم لواصلي الارحام هناك أيضا عقاب كبير لقاطعيها.. فلا يدخل الجنة قاطع رحم.. وحتي في الدنيا لا تتيسر لهم اسباب الرزق ويواجهون بلاء كبيرا اسمه »قلة البركة« وضيق الصدر فضلا عن لعنة الله التي تحل عليهم بسبب هذه القطيعة.. وانظر إلي كلام الله »والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض.. أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار«.. وفي الحديث القدسي يقول الله تعالي »أنا الله وأنا الرحمن. خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته« وانظر الي التوصية المباشرة من الله لي ولك حين يقول »وأولوا الارحام بعضهم اولي ببعض في كتاب الله« وفي كل الاحوال لن يصل ابنك رحمك إلا إذا انت وصلته واهتممت به، فابنك سيكبر علي ما تنشئه انت عليه من حب لأهله وذويه.. وسيكون ابنك عاقا لك وقاطعا لرحمك طالما كنت انت الباديء. فعلي قدر اهتمامك بأهلك ورعايتك لهم وحرصك علي صلتهم سيكون ابنك تابعا لك ولو بعد حين وسيفعل مثلما تفعل بلا شعور لانه اكتسب منك هذه العادة الاجتماعية. وانظر إلي قيمة صلة الرحم كيف يضعها ربنا في المرتبة أو الدرجة التي تليق بها حيث يقول سبحانه »واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا وبذي القربي« اذن هي طاعة وعبادة وتجارة مع الله فعبادة الله أولا وبر الوالدين ثانيا وصلة الارحام ثالثا. الفرصة موجودة في هذه الأيام العظيمة ان نتذكر اقاربنا واهلنا الأبعد.. فالاقرب.. ولو بالتليفون نهنئهم بالأيام الفاضلة ونتمني لهم الفضل والخير ونتواصل بقدر ما تتيحه حياتنا المزدحمة والفائز الحقيقي من يأخذ ما جاء بهذا المقال مأخذ الجد.