بدت أوروبا في طريقها للتخلي عن شريكها المريض بعدما تسبب في هزة عنيفة أصابت أوساط المال بها وأحرجت الكتلة النافذة عالميا أمام منافسيها ونظرائها بين طرفي الأرض. ومع تصاعد الأزمة السياسية في اليونان شدد الزعماء الأوروبيون من لهجتهم حيال أثينا ملمحين أنهم علي استعداد تام للتخلي عنها داخل كتلتهم المالية قبل ان يشير أخرون الي احتمال استبعادها من الاتحاد الأوروبي. وقبل ساعات من إقتراع بسحب الثقة في البرلمان اليوناني فقدت الحكومة أغلبيتها في المجلس التشريعي مع إعلان نائبتين من الغالبية الإشتراكية نيتهما عدم التصويت اليوم لصالح الحكومة التي باتت بموجب ذلك تحتفظ بنصف عدد مقاعد البرلمان فقط في ظل شكوك بفقد بعضها. وكان رئيس الوزراء جورج باباندريو قد دعا الي إجراء إستفتاء عام علي الخطة المالية الأوروبية لإنقاذ اليونان والتي تزيد بموجبها حزمة المساعدات مقابل فرض مزيد من إجراءات التقشف، وهو استفتاء يهدد البلاد بالافلاس وبالخروج من منطقة اليورو. وبعد إنتقادات شديدة من شركائه الأوروبيين كادت تكون تحذيرا لأثينا بالطرد من منطقة اليورو المالية ثم الإتحاد الأوروبي، نحي وزير المالية اليوناني ايفانجيلوس فينزيلوس بنفسه جانيا عن خطط باباندريو معتبرا ان "بقاء اليونان في منطقة اليورو هو انجاز تاريخي لا يمكن ان يعتمد مصيره علي استفتاء". وأضاف في بيان أصدره فور مغادرته اجتماعات مع باباندريو في مدينة "كان" الفرنسية ان قرار رئيس الوزراء "أصاب شركاء البلاد ومانحيها الدوليين بالهلع". ودعا نواب - باباندريو الي اجتماع عاجل لمناقشة التطورات مع أعضاء حكومته التي يعارض فيها خمسة وزراء إجراء الإستفتاء. كما دعا أخرون الي إجراء انتخابات مبكرة وتشكيل حكومة وحدة وطنية وذلك قبل عامين من انتهاء ولاية الحكومة الحالية. من جهته قال باباندريو انه اضطر للدعوة للإستفتاء بعدما تبين أن خطة الإنقاذ الأوروبية فقدت التأييد بين صفوف المعارضة، مضيفا "أن جوهر الموضوع ليست مسألة برنامج مساعدات بل مسألة تتعلق بما اذا كنا نريد البقاء في منطقة اليورو". في المقابل صرح وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي "جان ليونيتي" بأن منطقة اليورو "يمكنها الاستغناء" عن اليونان و"تجاوز" الصعوبات التي تمثلها أثينا بعد أن باتت علي وشك الإفلاس. وقال قبل ساعات من بدء اجتماعات قمة العشرين الإقتصادية في "كان" أن اليونان تشكل فقط "2٪ من إجمالي الناتج الداخلي في منطقة اليورو و4٪ من ديون منطقة اليورو". وجدد الوزير تحذير الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلي باباندريو بأنه إذا رفضت اليونان الخطة في الإستفتاء "فلن تحصل علي الأموال". وكان ساركوزي وميركل قد دعوا لأن يكون موضوع الإستفتاء هو بقاء اليونان داخل منطقة اليورو، منهين بذلك كون فكرة التخلي عن دولة بمنطقة اليورو ذ من الموضوعات المحرمة. كما لوح مسؤولو الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد بالتهديد المالي موكدين ان اثينا لن تحصل علي الدفعة الجديدة من المساعدة المقررة الا بعد اجراء الاستفتاء وفي حال قررت تطبيق الخطة الاوروبية. لكن المفوضية الأوروبية أكدت من جهتها أن خروج اليونان المحتمل من منطقة اليورو سيحتم خروجها من الاتحاد الأوروبي. وقد بدأ زعماء دول مجموعة العشرين أكبر وأسرع اقتصاديات العالم اجتماعاتهم في "كان" التي استهلوها بجلسة حول تطور أزمة اليورو وأبعادها علي الإقتصاد العالمي، وذلك بعد إجتماع مغلق عقده قادة منطقة اليورو صباح امس. وفي هذه الأثناء أبلغ الرئيس الصيني "هوجينتاو" نظيره الفرنسي ان "علي أوروبا ان تحل مشكلة ديونها"، جاء هذا في الوقت الذي بدت فيه الأوضاع متدهورة في منطقة اليورو، حيث تبنت الحكومة الايطالية اجراءات تقشف جديدة في حين قفزت أسعار الفائدة علي قروضها والمرتفعة أصلا، وسط تخوف من أوروبا لأن تكون التالية بعد اليونان. وفي البرتغال أعلن رئيس الوزراء بيدرو باسوس انه يريد التفاوض حول شروط المساعدات الأوروبية التي قدمت لبلاده بالفعل وذلك لما تشهده البلاد من حالة كساد. وتزامنت التطورات مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية حول العالم المناهضة للنظام الرأسمالي حيث أغلق المحتجون ميناء أوكلاند بولاية كاليفورنيا وهو رابع أكبر الموانئ الأمريكية وقام الالاف منهم بعرقلة حركة المرور فيما استمر إعتصامهم في عدد من الولايات الأخري.