والحديث عن الصوفية أو الثورة الروحية في الإسلام كما يطلق عليها البعض حديث يطول.. تحدث عن الصوفية عشرات من الكُتاب والمفكرين والفلاسفة ومن أبرزهم الإمام »أبوحامد الغزالي» والذي كان يقول عنهم: إنهم السابقون لطريق الله تعالي خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكي الأخلاق.. ويقول عنه الدكتور مصطفي النجار في كتابه »فلاسفة أيقظوا العالم» بعد أن حلل تفكيره الفلسفي.. إن الغزالي إذاً فيلسوف عقلاني في المقام الأول، يعرف حدود الحسي كما يعرف حدود العقل، كما يعرف متي ينبغي أن يتوقف كلاهما وتكون المعرفة بعد ذلك إن أردنا مواصلة الطريق موكلة إلي الحدث الصوفي الذي هو درجة معرفة عليا تأتي بعدها ما تستوفي طرائق المعرفة الأخري عملها. بل نجد الدكتور أبوالعلا عفيفي يري أن التصوف هو الثورة الروحية في الإسلام.. إنه يحدثنا في كتابه »التصوف الثورة الروحية في الإسلام» عن نشأة التصوف ومدي تأثره بالفلسفة، والأدوار التي مر بها ومدارسه المختلفة وأبرز شخصياته في التاريخ ويورد بعض أقوالهم: قيل للحسن البصري يوماً: فلان فقيه فقال: وهل رأيت فقيهاً قط؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة.. البصير بأمر دينه. فالفقيه في نظر الحسن البصري هو البصير بأمور الدين وإدراك أسرار الأحكام لا مجرد العلم والعمل بالأحكام، ونتيجة ذلك الإدراك هو الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة ونقرأ له: إن الصوفية يشهبون النفس بالطائر السجين الذي هبط إلي الأرض من عالم السماء، ولكنه لا يفتأ يحن إلي وطنه ويحاول الإفلات من قفصه، وإلي هذا المعني يشير ابن سينا في قصيدته العينية في النفس ومطلعها: هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تعزز وتمنع محجوبة عن مقلة كل عارفٍ وهي التي سفرت ولم تتبرقع ويري أنه من أجل محبة الله، يكثر الصوفي من التأمل فيه، وينصرف بكل قواه إليه وحده ولا يشغل قلبه بسواه، ويأنس بذكره ويستوحش ببعده ويطرب لرضاه وينزعج لغضبته أو علي حد قول أحد الصوفية أنفسهم: يغني بكليته في محبوبه.