هدأت العاصفة وانطفأت النيران وجفت الدماء المصرية علي رصيف قطار محطة مصر الهائج، ولكن الجرح مازال غائرا في قلوبنا وعقولنا، فلم تغب عن أعيننا للحظة مشاهد المحروقين من إخوتنا الشهداء بما يجعلنا في حالة إصرار علي استخلاص الحقائق الخفية. استقال الوزير وهاجم من هاجم واختلطت الأوراق بين المسئولية السياسية والمسئولية الجنائية وهو فرق لو تعلمون كبير، إذا كان المتهم الأول في هذا الحادث هو سائق القطار والمتهم الثاني هو المسئول سياسيا عن المؤسسة، فالمتهم الثالث والخفي هو الشعب الذي يسمح لبعض الحمقي بممارسة البلطجة الوظيفية عليه في صورة الموظف الحكومي الفاسد، سائق القطار هو مجرد نموذج منتشر في جميع مؤسسات الدولة وعضو فاسد في جيش ال 6ملايين موظف حكومي، سائق القطار مثل آلاف غيره يتعاطون المخدرات قبل العمل وبعده ويمارسون أسوأ أنواع التنكيل بالمواطن المصري يوميا في السكة الحديد، الشهر العقاري، السجل المدني، مكاتب التموين والمحليات، بلا أي رقيب أو رادع، ولا أنسي حديثي مع أحد الوزراء المجتهدين عندما شكا من عدم قدرته علي إقالة ساعٍ مقصر في عمله من وظيفته وإلا عاد علي الفور بحكم قضائي. أين قانون الخدمة المدنية الذي انتظرنا منه الكثير دون جدوي وهل سيظل حبيس الأدراج بعد هذا الحادث الأليم ؟؟ لماذا اضطر رئيس الجمهورية إلي استخدام أقصي صلاحياته لتصفية إحدي شركات الأسمنت الخاسرة بعد سنوات من استنزاف الخزانة العامة، في واقعة لم تكن تحتاج سوي قرار من مكتب استشاري اقتصادي يؤكد عدم تحقيق الجدوي الكافية ويعرض فرص عمل بديلة في شركات القطاع الخاص وإلا الاستغناء النهائي. لماذا لا نلجأ لشركات متخصصة في جودة العمل الإداري لإعادة تقييم الجهاز الإداري المصري بالكامل وغربلته من أشباه سائق القطار؟؟ لماذا يجلس في المنازل حديثو التخرج من المتفوقين بسبب هؤلاء الذين التحقوا بالجهاز الإداري في غفلة من الزمن وبسبب الفساد والمحسوبية وغياب المعايير المهنية والأخلاقية؟؟ الكارثة الكبري هي أن هؤلاء الفاسدين الصغار يجدون دائما من يدافع عنهم باستماتة، مبررا فسادهم بسوء الإدارة والتعليم رغم أن بعض أقرانهم في نفس المؤسسة من الشرفاء المجتهدين، والذين يضيع مجهودهم هباء بسبب التعميم ويكفي أن تعلن عن عملك بأحد الأحياء حتي ينظر لك المواطن بشك وكأنك فاسد بطبيعة الحال. كفانا تدليلا لبعض الفاسدين من الفقراء واللعنة علي الموروثات الاشتراكية التي رسختها الدراما بحيث نعتبر كل الفقراء شرفاء وكل الأغنياء فاسدون، هناك فقراء أكثر فسادا وإضرارا بنا جميعا مثل سائق القطار الذي وجد من يدافع عنه من واقع أنه ضحية لا أعرف لمن وإذا كان هو الضحية فمن نكون نحن؟؟؟؟