في عام 2011 أجريت حوارا مع أحد القيادات الإسلامية التائبة، كان الرجل قد قضي في السجون 25 عاما أو يزيد، سألته بعيدا عن النشر وقتها إن كان ما يرددونه عن براءتهم وعدم ارتكاب الجرائم التي حوكموا وسجنوا بسببها صحيحا، أم أنه مجرد محاولة لكسب الرأي العام والتشويش علي المحاكمات؟.. تنهد الرجل بعمق قبل أن يجيب بصراحة وبلا تحفظ، ففي النهاية إجابته لن يعرفها سواي، وقال :»بالتأكيد ارتكبنا تلك الجرائم، بل إن هناك جرائم ارتكبناها ولم نحاكم عليها، وكثير من العناصر التي حصلت علي البراءة في العديد من القضايا لعدم كفاية الأدلة، ارتكبت تلك الأفعال حقيقة، لكن في النهاية لا يمكن لأي شخص يواجه اتهامات خطيرة يعرف أنها ستقوده لحبل المشنقة أو لقضاء بقية سنوات عمره في السجن أن يسلم بعدالة المحاكمة أو يعترف بارتكابه لتلك الجرائم، خاصة أننا في تلك الفترة كنا نري أننا علي الحق وأن الدولة كانت كافرة». أجدني الآن مضطرا للإفصاح عن إجابة الرجل - دون ذكر اسمه احتراما لرغبته - لتكون تفسيرا وتنويرا لكثيرين ممن تضللهم »بوستات» الفيس بوك، وتتلاعب بوعيهم تلك الدعاية الممنهجة التي تحاول تشويه كل مؤسسات الدولة والتشكيك فيها، بل وإقامة عالم موازٍ علي شاشات ذلك الواقع الافتراضي، يتخذ فيه النشطاء علي مواقع التواصل الاجتماعي القرارات، ويحللون المواقف، ويعقدون المحاكمات، ويصدرون الأحكام، ولا مجال للعقل أو للحكمة في مناقشة ما يقولون، فما يقدمونه من زيف وادعاءات يبدو كطوفان يحاصر الناس في كل مكان، وفي كل لحظة منذ أن يستيقظوا، وحتي يغمضوا أعينهم علي ضوء الشاشات الزرقاء.. هذه الحقيقة المزعجة، تجسدت مجددا بعد تنفيذ حكم الإعدام في مجموعة من شباب جماعة »الإخوان» المدانين باغتيال النائب العام الأسبق، المستشار هشام بركات، فبمجرد انتشار الخبر انعقدت المحاكمات، وتحول كثيرون علي مواقع التواصل الاجتماعي إلي قضاة ومحامين، يحللون القضية ويدافعون عن القتلة، متناسين أن محاكمة حقيقية استمرت لسنوات وأتيحت فيها كل إجراءات التقاضي للمتهمين، وانتهت بإدانة البعض وبراءة البعض الآخر. وبعيدا عن تفاصيل المحاكمة أو الأحكام، فأنا لازلت ممن يتمسكون بمبدأ »لا تعليق علي أحكام القضاء» رغم أن ذلك المبدأ ضاع وسط غبار الاستقطاب السياسي وتلاشي في مستنقعات الخلافات غير الأخلاقية أو العقلانية بين الناس، لكن ما يعنيني هو ذلك التضليل الغامض الذي يشبه »التنويم المغناطيسي» الذي تمارسه تلك المواقع علي العقول، فيجعل الناس تتخلي عن عقولها وتسير وراء الابتزاز العاطفي، الذي يمارسه أصحاب الغرض السياسي. والغريب أن البعض يتناسي أن نفس الجماعة وربما ذات الشخوص سبق أن شنوا نفس الحملة المسمومة ضد القضاء المصري، عقد تنفيذ حكم الإعدام في الداعشي القاتل الذي ألقي بأحد الأطفال من فوق سطوح منزل بالإسكندرية عام 2013، وتناسي المضللون والمضللون (بفتح اللام وكسرها) أن الجريمة كانت موثقة بالصوت والصورة، وأن الملايين شاهدوها، كما اعترف بها مرتكبها وكان فخورا بما فعل!! إنه حقا تنويم مغناطيسي للعقول والأفئدة، وأخطر ما يمكن أن تواجهه أية أمة أن تفقد عقلها، وأن يتزيف وعيها علي يد حفنة من الجهلاء.