الحوار بين الزميل حمدي رزق والكاتب المفكر وزير الثقافة السابق حلمي النمنم في قناة »صدي البلد» كان شديد الثراء والخصوبة والرقي حول الخطاب الثقافي في مواجهة التطرف والإرهاب. أود أن أضيف إلي ما جاء في هذا الحوار ما يؤكد علي المعاني الجوهرية التي وردت في سياقه: نحن في أشد الحاجة إلي ثورة ثقافية شاملة لتعميق وعي المواطن بانتمائه إلي كيان محدد الملامح هو »الوطن».. كيان يتجاوز محدودية الانتماء إلي القبيلة أو الطائفة أو المذهب أو الملة. هكذا ينبغي أن يكون الحال في أول أمة دولة في تاريخ البشرية وكما يقول الدكتور نصر الدين السيد في كتابه »ثقافة الدولة المدنية»، فإن أخطر ما يمكن أن يتعرض له شبابنا هو التآكل والتغييب في أهم أبعاد المواطنة الثلاثة، وهي: الانتماء والمساواة والمشاركة. وترجع هذه الخطورة إلي كون الانتماء يتعلق بوحدة وتماسك الكيان المصري، الذي لم يعرف أي تشققات أو تصدعات منذ نشأته قبل أكثر من خمسة آلاف سنة. فقد كان تماسك وتجانس الكتلة البشرية للأمة المصرية، عبر هذا التاريخ الطويل.. واحداً من الملامح الفريدة التي تميزت بها هذه الأمة.. التي ابتدعت مفهوم »الوطن» الذي ينتمي إليه كل أفرادها ويدينون له بالولاء. بل إن الوطن والمواطنة من أول الاكتشافات العبقرية التي أهدتها الأمة المصرية للحضارة الإنسانية كما يؤكد د. السيد نصر الدين. وتاريخ هذه الأمة »الذي يعرف عنه الأجانب أكثر مما تعرف عنه قطاعات واسعة من المصريين أنفسهم» هو تاريخ شعب مصر.. لا تاريخ الذين قاموا بغزو أراضيه. وهذا التاريخ يقول لنا إنه نشأت في مصر الموقع بحدودها المعروفة قبل آلاف السنين .. أمة حرفتها صنع الحضارة، علي حد تعبير د. حسين فوزي، وتطورت شخصيتها عبر مئات القرون كمحصلة لتفاعل حضارات مختلفة ظلت الأمة تتمثلها وتهضمها لتفرز خصوصيتها المتميزة. هكذا تشكل الكيان المصري ليكون شخصية مركبة ومتعددة الأبعاد، ولكن في وحدة وتكامل. وهذا التعدد هو رصيد قوتها الكامنة والمتجددة وسر قدرتها علي البقاء وتجاوز الأزمات، وهو محرك آلياتها للإبداع وللتكيف مع الجديد. علينا أن نضع في الاعتبار ثراء وتنوع مكونات هذا الكيان المصري الذي تقوم عليه قوة مصر الناعمة وأن يعترف أبناء بلادنا ب »تمايز» الأمة المصرية عن غيرها من الأمم في تاريخ كل حضارات العالم. هل حان الوقت.. لكي نبحث عن مصريتنا المفقودة، وننفض الغبار من علي تاريخنا المفتري عليه ونستعيد كل قيم وتراث وأمجاد الوطنية المصرية في مواجهة هؤلاء الذين يحتقرون تاريخ بلادهم حتي يتمكنوا من طمس هويتها واقتلاع هويتها.. بل وإلغاء وجودها؟ وأين مناهج التعليم في بلادنا.. من ذلك كله؟