من الطبيعي أن تتبادل الدول الإفريقية رئاسة الاتحاد الإفريقي بالتناوب.. فهناك دولة ترأس الاتحاد في كل عام.. وتنتقل الرئاسة بعدها إلي دولة أخري. هناك دول كثيرة ترأست الاتحاد علي مدي تاريخه الذي تجاوز خمسين عامًا.. وكانت مصر هي صاحبة فكرة إنشاء المنظمة الإفريقية التي تغير اسمها فيما بعد إلي »الاتحاد الإفريقي».. ولكن الفترات التي ترأست فيها الاتحاد وهي كثيرة كان لها شكل مختلف وأداء مختلف.. فليس أقدر من مصر علي هذا الدور.. بل كانت مصر وهي لا ترأس الاتحاد هي الدولة الأكبر التي تتحدث عن القارة في كل المحافل والمؤتمرات الدولية.. فالدور الإفريقي لمصر مثل دورها العربي مؤثر في العالم بشكل كبير.. تدرك كل الدول الإفريقية والعربية قيمة هذا الدور وتأثيره. لذلك لاحظنا أن الاحتفاء الإفريقي برئاسة مصر للاتحاد يفوق الاحتفاء المصري.. فقد أصبح لكل الدول الإفريقية ظهر يحميها ولسان يعبر عنها وقوة تتحدث باسمها وعقل يرسم مستقبلها.. وكل الدول الإفريقية تدرك أن رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي هذا العام ستكون رئاسة مختلفة.. رئاسة فاعلة سيكون لها العديد من النتائج الإيجابية. مشاكل وهموم القارة الإفريقية عديدة وثقيلة وبعضها عصي علي الحل.. من أهمها تلك القضية التي اختارتها الدورة الأخيرة عنوانًا لها وهي قضية »المهاجرون والعائدون والنازحون» والتي تحدث عنها رئيس مصر باستفاضة وطالب في كلمته بضرورة العمل علي حلول دائمة للنزوح القسري في إفريقيا»، فانتشار النزاعات، ووحشية الإرهاب، وهمجية التطرف، وتغير المناخ وقسوة الفقر وشح المياه وتفشي الجفاف، كلها عوامل تتضافر وتتداخل لتدفع البشر لفراق ديارهم، لاسيما وأن آثار تلك الأزمات تنعكس علي إفريقيا بالمقام الأول، حيثُ تصل أعداد اللاجئين إلي نحو 8 ملايين لاجئ 90% منهم لاجئون داخل القارة، كما تصل أعداد النازحين إلي حوالي 18 مليون نازح، وهو ما يحثُنا علي تبني خطط تنموية تشمل مشروعات قارية وإقليمية ضخمة لتوفير أكبر قدرٍ من فرص العمل لمواطني القارة، واعتماد برامج إعادة إعمار مُستنيرة تُعيد تأهيل المُجتمعات وتهيئ الظروف لعودة النازحين لديارهم، فضلاً عن إرساء خطة تطوير متوسطة الأمد تخلق مناطق اقتصادية مُتكاملة وجاذبة في أنحاء القارة لتوظيف الأيدي العاملة والعقول الإفريقية وإبقائها في أحضان قارتها الأم. وعلي ذكر »اللجوء».. فإنه علي ما يبدو فإن إفريقيا قررت اللجوء إلي مصر.. حدث هذا عندما قرر الاتحاد الإفريقي لكرة القدم اللجوء إلي مصر لتنظيم بطولة كأس الأمم الإفريقية بعدما سحب تنظيم الكاميرون لها.. وهذا التحدي لا يمكن أن تقوم به إلا مصر.. ونتوقع أن تكون البطولة الأفضل في تاريخ البطولات.. ونحن قادرون علي تنظيم متميز.. وقادرون أيضا علي الفوز بها لنضيف البطولة الثامنة إلي رصيدنا. لجأت إفريقيا إلي مصر مرة أخري في تنظيم مؤتمر شباب إفريقيا الذي تستضيفه أسوان الجميلة في شهر مارس.. وهو مؤتمر مصري بفكرة مصرية.. ويحمل رؤية مصرية للنهوض بشباب إفريقيا ووضعهم علي المسار الصحيح لنقل القارة إلي الأمام. تلك هي المرة الثالثة التي تلجأ فيها إفريقيا إلي مصر.. رئاسة الاتحاد الإفريقي الدورية لا تعني أن مصر ستحكم القارة.. ولكن الأمر يختلف بين رئاسة دولة وأخري للاتحاد.. وكما كان واضحا في اجتماعات أديس أبابا أن رئاسة مصر ستكون مختلفة.. والدليل أن قادة القارة ألقوا علي مصر ورئيسها أعباء جسيمة. وكما قال الرئيس فإن أنظار القارة تتطلع إلينا وتترقب قراراتنا وأعمالنا بكل اهتمام، وليس أمامنا بديل سوي قبول التحدي وإثبات أن أبناء هذه الأرض المناضلة قادرون علي العطاء المستمر من أجل إيجاد عالم أفضل لشعوبنا الإفريقية، ومن ثم فإن العمل الإفريقي المشترك لم يعد اختياراً أمامنا وإنما أصبح أمراً حتمياً في ظل ظرف دولي مليء بالتحديات والصعوبات التي لن تستطيع الدول مواجهتها فرادي، ومن هنا تبرز أهمية ترجمة أقوالنا وقراراتنا إلي خطوات عملية محددة، بحيث يتأكد للعالم الخارجي أننا نعني ما نقول، وأن التضامن الإفريقي كيان فاعل يستطيع أن يحرك المواقف ويفرض نفسه علي الأحداث، وليس مجرد شعار نظري.