لم أتفاجئ على الإطلاق بما قاله نتنياهو، عن كونه فى «مهمة تاريخية وروحية»، وأن حلم «إسرائيل الكبرى» يراوده من زمن بعيد، ويا حسرة عليه يقوم مفزوعًا من نومه فى عز الليل وهو يصرخ «إسرائيل الكبرى.. إسرائيل الكبرى إسرائي………. برى». هذا شخص معتوه لديه خبل سياسي، ويصر على أن يقدم نفسه منتحرًا سياسيًا يروج لخرافات وادعاءات وأوهام يتبناها من وقت لآخر ويجرجر وراءه بعض الخنازير التى تشبهه من متطرفى الحكومة الإسرائيلية، فيكثفون من الترويج لها من أجل التشجيع على استمرار دوامات العنف والصراع، التى دخلنا فيها منذ 7 أكتوبر – المقصود بالمدبرة – وهو ما يتطلب أن يكون هناك موقف دولى حاسم وصارم، لمنع اتساع دوائر وموجات العنف، وتعاظم كرة النار المشتعلة والمتدحرجة بسرعة شديدة نحو حافة الهاوية، التى بتنا نقف جميعًا على حدودها الدنيا. ولم أتفاجئ أيضا من ردود الفعل العربية على هذه الهرتلة السياسية «الموجهة»، فهى ردود روتينية متوقعة، عادية واعتيادية، وما يهمنى ويجب أن أنتبه له وننتبه له جميعًا هو واقع ما نفعل ونتصرف تجاه ما يقوله مخبول مثل نتنياهو أو ما يرتكبه الآن ويطمح ويخطط لتنفيذه مستقبلا. فالحلم الأكبر الذى يراود نتنياهو، حقيقة موجودة، ولا يحتاج لتصريح مباشر كما حدث قبل أيام حتى ننزعج إلى هذا الحد، فذلك «النتن ياهو» يحلم بأن ينفذ خريطة إسرائيل الكبرى ويكون هو ذلك الفارس الذى جاء من رحم التاريخ ليحقق حلم اليهود فى أرض الميعاد، وفى سبيل تحقيق حلمه التاريخى وطموحه السياسى المريض يرتكب ما يرتكب من مجازر ويفتح جبهات قتال متعددة فى فلسطينولبنانوسوريا وإيران وبجوار الأردن فى الضفة وبجوار مصر فى غزة ثم يهادن ويطبع مع هذه وتلك خفية وعلنا رافعًا راية «السلام الإبراهيمي» من أجل ماذا؟.. من أجل أن يحقق حلمه الذى لم يصرح به فى العلن أمس أو أول أمس فقط، بل على مدار سنوات عمله السياسى البغيض وهو يتحدث عن ذلك وعلى مدار نفس السنوات هى نفس ردود الفعل والرفض والشجب والتنديد منا نحن العرب.. فماذا حدث وما الذى تغير؟ أقول لك ما الذى تغير.. ما تغير هو أننا «العرب» زاد تخاذلنا وزادت هرولتنا نحو تطبيع وسلام مدفوع الأجر ومسموم الهدف، ما تغير هو فُجر وسرقة وبلطجة على المكشوف، من الصهاينة وتغير جيوسياسي خطير ينظر بكوارث أكبر وأكبر من التى تحدث، ويشير إلى أراض أخرى فى سبيل الضياع والسرقة مثل التي ضاعت، فهذه هى الضفة تقترب من الابتلاع والمستوطنات تزحف إليها من جديد مثل سرطان اكتشف فى مراحله الأخيرة – والأردن تقترب من الخطر-، وهذه سوريا ابتلعت منها أراض بفعل الخذلان والخيانة والعمالة والمطاطية لأصحاب الطلقة والدولار، ومن قبلها لبنان فى الجنوب المستهدف ومزارع شبعا المقصوفة.. وتبقى غزة !!!! هذا ما تغير إن كنت تريد أن تعرف ما الذى تغير.. الكل يبتلع ويضيع ولكن تستعصى غزة.. لماذا تستعصى؟ ولماذا تبقى غزة الجارة العربية الجريحة المقتولة المغتصبة، والمعصوبة العين والأمعاء، فلا طريق تراه ولا طعام يحيها، لماذا تبقى رغم الدمار والحصار والإبادة والقتل الممهنج؟ أجيب عليك: غزة باقية بفضل دماء شهدائها الذين رفضوا الخروج والهروب، واختاروا البقاء بكامل إرادتهم رغم القتل والجوع، رغم الخذلان الذى عاشوه من إخوانهم فى حماس الذين صدروهم لفوهات البنادق والمدافع واحتموا هم بأنفاقهم تحت الأرض مثل الجرذان والخفافيش،.. غزة باقية بفضل سند عربى قوى رفض أن تصفى القضية ورفض تهجير الشعب صاحب الأرض والتاريخ، رفض أن تبتللع الأرض وتصير من عربية إلى صهيونية، سند عربى شريف وأمين قال «لا» لكل العالم، قالها منفردًا وحيدًا، وتحمل كافة التبعات، وظل ثابتا على موقفه لا يحيد منذ أن ولدت القضية الفلسطينية من رحم وعد ظالم وفاسد أعطاه من لا يملك لمن لا يستحق «وعد بلفور»، سند عربى قدم من دماء أبنائه أكثر من 120 ألف شهيد واقتطع من قوته وشاركه بكل كرامة وعِزة مع إخوانه فى غزة، وما زال يحارب من أجل مواصلة مساندتهم.. إنها «مصر»، السند الذى لا يخذلك أبدًا ولا يتخلى عنك ولا يحيد ولا يبيع ولا يخون.. مصر التى لم تتغير.. هذا هو ما تغير يا عزيزى.. وجود مصر بهذه القوة وهذه الجرأة فى وجه العالم كله وأولهم العدو الصهيونى ومن ورائه من جبابرة أمريكيين يريدون ابتلاع العالم طمعًا وإجحافًا.. وجود مصر رافضة مشروع القرن والصفقة المشبوهة والمبادلة المريبة، وجود مصر التى رفضت قيادتها أن تصنع لنفسها مجدًا زائلاً على أنقاض أشقائها من الفلسطينيين ورفضت أن تقايض بأمنها القومى وأمن شعبها الذى وثق فيها واصطفف خلفها. هذا ما تغير يا عزيزى، فالكل تغير إلا مصر لم تتغير ولن تتغير وستظل شوكة فى حلق كل من يريد أن يبتلع العرب وأرضهم وينهب ثرواتهم، ستظل حجرًا فى حلق كل من يريد أن يروى ظمأه الشيطانى بالسطو على حبة رمل من رمال أرضها أو سرقة قطرة ماء من نيلها. الكل تغير ومصر لم تتغير ولن تتغير، وسيسجل التاريخ كيف رفضت مصر أن تحيد رغم كثرة المغريات والضغوط، ومن سمع الرئيس السيسي وهو يتحدث الأسبوع الماضى عن أن مصر لن تغض الطرف عن الحفاظ عن حصتها فى مياه نهر النيل «سيعلم أن مصر لن تقبل أى مساومة ولن تقبل أى ضغوط ولن توافق على أى مقايضة ولن تسمح بتهجير الفلسطينيين ولن تسمح لأحد كان من كان أن تدنس قدمه أرض سيناء رغما عنها كما أنها لن تسمح لأحد بأن يسطو على حقها فى الحياة من مياه النيل. الكل يتغير ومصر لا تتغير وهذا ما يحافظ على بقاء غزةوفلسطين حتى الآن.. فهذه هى مصر القوية بنفسها ولنفسها ولأشقائها.. هذه هى مصر السند الدائم الذى لا يتغير.. هذه هى مصر التى حطمت أسطورة الجيش الذى لا يقهر فى أكتوبر 73.. وهذه مصر التى تحطم أكذوبة «إسرائيل الكبرى» وتحول أحلام نتنياهو إلى كوابيس.