ما أنا بالمصدق ما شاهدته بعيني أو سمعته بأذني في ليلة إراقة الدماء بين الجيش والأمن والمسيحيين. فأنا ممن عاصروا إخوة مسيحيين كثرا وتربطني بهم صلات طيبة طوال رحلة عمري. يبدو أننا أصبحنا متأثرين بالكلمة التي تنطلق وتتكرر وراء كل حدث مفجع.. من وراء ما يحدث؟ ما هي الأصابع الخفية سواء في الداخل أو الخارج أو الاثنين معا التي لا تريد لمصر سلاماً؟ ورغم أن هذه التساؤلات مشروعة الطرح فإننا مازلنا نغفل حقيقة الإنسان نفسه والسؤال الأكثر دقة كيف تم استهواء هؤلاء المتظاهرين لزرع بذور الشر بداخلهم فأصبحوا فاقدو الإرادة؟ الإجابة: أننا أهملنا في بناء الإنسان وتركناه يسبح وحده بلا قيم أو مبادئ تحكم سلوكه.. تركناه يتلاطم مع الأمواج حتي فقد الوعي وأصبح هشا، موجة تأخذه بعيداً وموجة تلقي به ولكن ليس لبر الأمان بل لضرب الأمان في مقتل! المواطن الحديث أو التكنولوجي كما يسمي الآن بلا أرضية صلبة، بلا رؤية ثاقبة تبصره بما يحاك له ولوطنه فتهيئ له الأوهام والخيالات المريضة أنه وحده علي صواب في الوقت الذي يضرب فيه بكل ما أوتي من قوة لهدم بيته ووطنه ظنا منه أنه يحقق نصراً. كلنا نود أن تنتشر بيوت الله في كل مكان.. لكننا في الماضي كنا ننصاع لأحكام القانون حتي الجائر منها.. فما بالنا اليوم نخرج علي كل قانون لننفذ ما نريد.. وكان الأولي المضي في الطرق السلمية لتغيير القوانين الجائزة. في حياتي ما رأيت مظاهرات تشتعل فيها النيران من أجل بناء بيت عبادة لله، هذه الظاهرة ليست وليد اللحظة وإنما هي أحد أركان اشعال الوحدة الوطنية. فالعدو أيا كان مسماه داخليا أو خارجيا أو كليهما لا يترك صغيرة أو شائبة في العلاقات الإنسانية بين أبناء الوطن الواحد إلا واستغلها، وقد كان أهلنا زمان بحسهم الفطري يقضون علي هذه المحاولات في مهدها بحيث يقتصر الحدث علي مداعبة أو شجار خفيف يتم وأده في لحظة مبكرة جداً. لماذا تركنا صدورنا وقلوبنا عارية ليعبث العدو بنا ويحركنا كيفما يشاء فيخرج أبناؤنا من كل مكان للاعتصام والتظاهر بعنف من أجل بناء بيت للعبادة، وإني لأقف مستغربا فبناء المسجد أو الكنيسة يعني أن يكون الصدر منشرحا وعدم الموافقة علي بنائه لا يعني استدعاء العنف وأي عنف.. عنف موجه إلي القوة التي تحمي الوطن وتدافع عن أهله مسلمين ومسيحيين.. هل فقد هؤلاء عقولهم وقلوبهم نهائيا وأودعوها مهب الريح.. هل خرجوا ومعهم من يدس الدسائس من خلال شعارات براقة تدفع بهم وبوطننا إلي الهاوية. ماذا سيبقي لنا جميعاً بعد هذا المشهد المؤلم بحق.. هل ما ردده البعض من استنصار الغرب لنصرة إخوتهم في الشرق ضد اخوتهم في الوطن هو ما يريدونه باعتباره الحل السحري؟! التاريخ خير واعظ.. فإذا استمرت الأحوال علي هذا المنوال بأن تشب النيران كل حين لأتفه الأسباب لعدم تنظيم العلاقات الإنسانية بين أبناء الوطن الواحد والعلاقات التنظيمية مع الدولة ونبذ القيم والمبادئ السامية والقانون فستكون النهاية المفجعة.. فليس من المعقول أن يكون الرد علي منع بناء بيت عبادة نهايته حرق وطن بأهله. أتمني أن نخرج جميعا يومي الجمعة والأحد القادمين تحت ظل معني جليل نزرعه في قلوبنا ونردده بألسنتنا بأننا جميعا يد واحدة حتي نكون أهلا لقول الله تعالي: »يد الله فوق أيديهم« ونندم علي ما فعلناه ونثبت أننا بحق جئنا من أجل أن نبني داراً نتعبد فيها ونشكو إلي الله وأولي الأمر »سلميا« رفض بعض المسئولين وأننا لم نأت لكي نشعل ناراً تحرق وطننا العزيز. [email protected]