يشير قاموس »لاروس» الي التسامح باعتبار أنه موقف من يقبل أن توجد لدي الآخرين طرق تفكير وطرق حياة مختلفة عما لديه. ويؤكد الفيلسوفان الكبيران »سبينوزا» و»جون لوك» ان التسامح يحتاج الي مناخ ثقافي يؤمن بحرية التفكير والاعتقاد بطريقة مستقلة. أما التعصب فإنه يعبر، في رأي المفكر »بول ريكور»، عن ميل طبيعي لدي فئة أو جماعة لفرض عقائدها وقناعاتها علي الآخرين. ويري المفكر الكبير »محمد اركون» أن النظام اللاهوتي يدعي احتكار الحقيقة المطلقة لنفسه، وانه ما دام هذا الإدعاء هو السائد..فإنه لاحل ولاخلاص وسوف تستمر الحروب الطائفية. المشكلة ان بعضنا مازال يردد حتي الآن أفكار عصور الظلام.. وأنها لكارثة، حقاً، أن هناك عرباً لم ينتظموا بعد في سياق العصر وعلومه ومعارفه وثقافاته. وعلي سبيل المثال.. مازال هناك من يقول: »لا يُسأل الرجل فيما- لماذا- ضرب امرأته»! وشيخ يتمتع بشهرة كبيرة أدلي بحديث لصحيفة »البيرق» اللبنانية في يونيو 1996 يتهم فيه النساء بان »خروجهن الي العمل واختلاطهن بالرجال يعتبر من أعظم وسائل الزني والخيانة الزوجية»!! وصرح نفس الشيخ لمجلة »العربي» في 10/8/1998 قائلا: »اذا ردت عليك امرأة في الهاتف وجبت عليك التوبة»!! وشيخ آخر صرح لصحيفة »الشرق الأوسط» في 22 مارس 2003 بأن مصافحة الرجل للمرأة.. »حرام»!! وهناك من صرح لصحيفة »السياسة» الكويتية بان الغناء »مزمار من مزامير الشيطان»!! ونستعيد من الذاكرة واقعة تدمير تمثالي بوذا في افغانستان عام 2001 بموجب فتوي الافغاني الملا عمر. هكذا تتعمق لدي البعض مسارات التخلف والارتداد مما أدي الي خضوعنا، علي مدي قرون، لفقه السلطة وسلطة الفقه للحفاظ علي ثبات وجمود المفاهيم وتشبثاً بالانحطاط السقيم المناويء للحداثة والتطور. فكر الحداثة والدعوة للاستنهاض في حاجة الي قوي مادية لكي يصبح حقيقة واقعة.. في حاجة الي قوي سياسية -اجتماعية- ثقافية تعيد انتاج هذا الفكر وفقاً لمتطلبات وحاجات المجتمع الوطني. ولايمكن استيراد هذه الحداثة، كما تستورد السلع، ذلك ان لكل حداثة خصائصها الابداعية النابعة من البناء المجتمعي الثقافي، كما يقول المفكر اللبناني محمد الحاج. ان العقل هو تاج المملكة الانسانية. والانسان، وحده، هو الذي استحق ان يكون خليفة الله في أرضه لقدرته علي تحمل الأمانة. ومع ذلك، فإن هناك- في القرن الحادي والعشرين من يحاولون تجريف أو تغييب أو اغتيال العقل.. أنبل ما يملكه الانسان. لقد تأخرنا كثيراً في تحقيق مهمة إرساء ثقافة العلم ومناهجه وتوظيفه. ولابد من إحياء الفريضة الغائبة في الثقافة السائدة.. وهي العقل حتي ننتصر في مواجهة ثقافة الخرافة وأنماط التهويمات المعطلة للعقل.