تعلمت من أساتذتي العظام أن الصحفي المستقل برأيه.. المحافظ علي قلمه.. الواضح فيما يكتبه.. ألا ينضم إلي أي من الأحزاب السياسية.. حتي لا يكون ملتزما بما قد لا يقتنع به من موقف الحزب في أمر من الأمور والمواقف التي تحتمل الجدل.. فيكون رأيه حرا متحررا.. لا يلتزم الا بما يقتنع به.. لذلك فإنني لا أنضم لأي من الأحزاب طوال ما يقرب من نصف قرن.. الا من تجربة قصيرة مع حزب » الخضر » الذي دعا إلي تأسيسه أستاذي الكاتب الصحفي الكبير الراحل عبد السلام داوود في نهاية الثمانينات.. لأن أهداف الحزب لم تكن سياسية بالدرجة الأولي.. وإنما كان يهتم بالبيئة والنشاط المجتمعي مع ظهور أحزاب مماثلة تحمل الاسم نفسه في بعض من دول العالم الكبري.. لكن التجربة انتهت مبكرا في مصر. التجربة الحزبية في مصر منذ البداية القرن الماضي وحتي قيام ثورة يوليو 1952 كانت تجربة شخصية.. ارتبطت بالأشخاص علي حساب الوطن.. وكانت خلافاتها تغلب عليها تلك الروح مع وجود دور وطني تاريخي لحزب الوفد الذي لم يختلف عن الأحزاب الأخري في الوقوع في ذلك الفخ.. ولكن بعد الثورة كان الأمر مختلفا تماما.. وكان أكثر وضوحا أيضا.. تنظيم سياسي واحد يجمع كل القوي.. زعيم واحد ورأي واحد وموقف واحد من كل القضايا ومجالس نيابية منتخبة ظاهريا ولكنها كانت في الحقيقة مجالس معينة من السلطة التي تملك القرار والسياسة والاقتصاد والاعلام وكل شيء. وحتي بعد تأسيس بعض الأحزاب التي بدأت كمنابر ثم تحولت إلي تنظيمات حزبية.. كان هناك الحزب المسيطر المهيمن علي الساحة السياسية وعلي كل الأجهزة.. ولم تكن هناك معارضة في البرلمان أو غيره الا بالقدر الذي كان يسمح به.. ليكتمل الشكل الديكوري الديموقراطي. بعد الثورة غير المكتملة في يناير 2011.. انفجرت ماسورة الأحزاب.. وتجاوز عدد الأحزاب التي تأسست أكثر من مائة حزب.. كلها وضعت لنفسها نفس البرنامج دون اختلاف.. معظمها حزب الشخص الواحد.. ولم يستطع حزب واحد أن يخلق قاعدة جماهيرية.. باختصار لم يصل أي منها إلي الشارع لا عن طريق المؤسس الشخص أو عن طريق البرنامج.. وأصبحنا في حاجة إلي حزب أو تنظيم سياسي يستطيع ذلك. الوضع السياسي والحزبي عقب ثورة التصحيح في يونيو 2013 هو وضع مختلف طبعا.. فهناك دولة مختلفة عن شكل الدولة فيما سبق.. فلا هي تحتمل الأحزاب الشخصية المتصارعة.. ولا هي تستحق الحزب الواحد أو الحزب المسيطر المهيمن.. بل هي تحتاج إلي تنظيمات سياسية شعبية رشيدة بعيدة عن التصارع الشخصي.. تصل إلي الناس من خلال برنامج قوي محترم واقعي متوازن.. تقدر الهموم والمشاكل التي تحيط بالبلاد والظروف التي تمر بها وتقدم لها الحلول الواقعية وليس كلاما مرسلا أو حتي معارضة من أجل المعارضة. حزب » مستقبل وطن » تجربة مختلفة.. لا نعرف مؤسسيه بشكل كاف.. ولا نستطيع خلال سنوات قليلة جدا هي كل عمره أن نحكم علي أدائه ونقيم التجربة من منطق النجاح والفشل. أحيي زميلتي الأستاذة ثناء القص التي قدمت لنا في حوار صحفي مهني راق في صحيفة » الأخبار » رئيس الحزب الشاب المهندس أشرف رشاد عضو مجلس النواب ورئيس لجنة الشباب به.. منذ تأسيس الحياة الحزبية السياسية في مصر.. لم نشهد تجربة حزبية مثيرة للاهتمام والدراسة مثل تجربة حزب »مستقبل وطن». البذرة الأولي له كانت في شكل حملة شعبية تضم أكثر من ألف شاب وفتاة.. ينتمون لأيديولوجية وطنية واحدة.. هدفهم الحفاظ علي وطنهم وإنقاذ شبابه من كل انواع الخداع والتضليل بعد ثورة 30 يونيو من قبل الجماعات المتطرفة والمؤامرات الخارجية للقوي المعادية لمصر.. وبسرعة الصاروخ تمكن شباب الحملة من وضع وثيقة عمل وخطة للحفاظ علي الدولة المصرية.. التجربة تعيد للأذهان الدور الحيوي والفعال لاتحادات الطلبة في الجامعات المصرية في المشاركة في الحياة السياسية والتمثيل النيابي وتشكيل الحكومات.. وبعد فترة قصيرة تحولت الحملة إلي حزب.. لم يكن حزبا كرتونيا كما يحدث في بعض الأحيان.. بل تمكن شبابه من خوض انتخابات البرلمان الماضية واستطاعوا الفوز ب 55 مقعدا. نتناول في مقال قادم أهم ما جاء في الحوار.. فما قيل يستحق المناقشة.. لأنه يحمل مستقبلا جديدا للحياة الحزبية في مصر.