بالرغم من أن مصر في نهاية القرن الثامن عشر كانت ما تزال قانونيا إحدي ولايات الدولة العثمانية، فإنها فعليا كانت تتمتع بقدر هائل من الحكم الذاتي الذي يقترب من الاستقلال عن اسطنبول التي كانت تتعرض في ذلك الوقت لتمرد شرس في ولايات الروملي (وهي ولاياتها في شرق أوروبا ومنطقة البلقان). نقول إنه بالرغم من تلك الظروف، إلا إنه بمجرد تعرض مصر للحملة الفرنسية، انتفض قلب دولة الخلافة، وأعلنت حالة الاستنفار القصوي، حيث دعا السلطان محمود الثاني لاجتماع عاجل قرر إرسال حملة عثمانية لتحرير مصر، وهي الحملة التي أغفلها المؤرخون، وذلك بالرغم من أنها لعبت دورا مهما في إقناع الفرنسيين بعدم جدوي بقائهم علي ضفاف النيل. ولنقرأ معا هذه المقاطع مما يعرف ب " يوميات الحملة العثمانية لتحرير مصر" والتي حملت اسم "ضيا نامة" نسبة ليوسف ضيا باشا رئيس وزراء الدولة العثمانية في ذلك الوقت (الصدر الأعظم) قائد الحملة: "... فور ورود أنباء الاحتلال الفرنسي لمصر عقد السلطان محمود الثاني اجتماعا ضم: الصدر الأعظم، وشيخ الإسلام، والقبودان باشا وهو قائد الأسطول - ورجال الدولة وقادة الجيش للتشاور في الأمر الجلل، ولبذل الهمة في تطهير الأراضي المصرية المقدسة من دنس الفرنسيين. وحيث إن الجميع اعتبر ما حدث هو تطاولا من أعداء الدين- فالجميع يعرف حق المعرفة أن مصر بلد مترامي الأطراف يصل البرين، ويفصل البحرين، وهي أم الدنيا، ومفتاح الحرمين، ومصباح القبلتين، وبوابة فلسطين، ودرع الاقصي- فقد أذن حضرة السلطان للحضور بعرض ما يرونه من إجراءات ناجعة للاقتصاص من العدو". وبالفعل نجحت القوات العثمانية في كسر شوكة الفرنسيين بكسرهم الحصار الذي ضربه نابليون بونابرت علي عكا مدة شهور، وذلك قبل أن تجتاح القوات السلطانية القوات الفرنسية في العريش لكي تتقهقر الأخيرة إلي القاهرة والدلتا والصعيد، طالبة عقد الصلح مع الدولة العثمانية، بعد أن تبين لها عدم قدرتها علي مواجهتها من ناحية، وثورة المصريين التي لم تنطفئ في الداخل من ناحية أخري. المطالع ليوميات الحملة العثمانية لتحرير مصر سيدرك علي الفور المشاعر العميقة والقوية التي ربطت دائما بين تركيا والمصريين، إلا أن القاريء لمحاضر اجتماعات محمد علي حاكم مصر في عشرينيات القرن ال19 والتي اتخذ خلالها القرار بالمسارعة بنجدة اسطنبول عسكريا في أزمتها العنيفة في البلقان، سيدرك أن تلك مشاعر كانت متبادلة. وبعيدا عن المشاعر، فإن مسارعة كل من البلدين لإحداهما الأخري في وقت الأزمة يعكس بعدا آخر لا يقل أهمية عن الجانب العاطفي. فمصر وتركيا تدركان الأهمية الاستراتيجية لكل منهما للآخر، كما أنهما يدركان أن المساحة التي تجمع مصالحهما أرحب بكثير من المساحة متناهية الصغر التي لا تلتقي فيها المصالح. أما المستمع للكلمة التي افتتح بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حفل العشاء الذي أقيم خلال زيارته الاخيرة للقاهرة، فسيدرك علي الفور أنه طالما أن الجغرافيا والثقافة باقيتان، فإن المصالح ستبقي سواء تطابقت أو كادت تتطابق. فقد بدأ أردوغان كلمته بقوله: " سلام علي مصر ...سلام علي شبابها ... سلام علي كل المصريين ". وأوضح: " أزور مصر في مرحلة تقود فيها التغيير بثورة تجاوزت في تأثيرها حدود الدول المحيطة إلي التأثير في العالم بأسره؛ فمصر التي احتضنت حضارتها العديد من الحضارات الوافدة، ظهرت في 25 يناير للعالم بوجهها الحضاري المشرق دائما، وهي لحظة لا يجب أن تضيع".